إنزعوا خناجركم عن شخصية ابن بعلبك

أما وقد تحوّل العرس في بعلبك الى لغم انتقام، و تحوّلت الافراح الى احزان تنذر بموجات ثأر، لا بدّ لنا أن نشير الى بعض الملاحظات القابلة للتوسع والخاضعة للنقاش.

ليس صعباً ان تنتبه للكثير من القواسم المشتركة، من صفات ومن سمات للشخصية البعلبكية ولسلوكياتها، فبالاضافة للكرم ولحسن الضيافة ولطيبة القلب تبدو امتدادات الفروسية المتوارثة واضحة، ولو أنها من دون خيل وخيام (يا ميمة جنب الخيمة-دعس خيول معلِما) وما زفّة العروس عبر قرقعة السيوف والتحدي الفولكلوري للفرسان الا تجسيداً لدور الرجولة المسقطة على العريس كفارس يحمي العرض ويصون الشرف، وما أداء تمثيل دور انتزاع العروس من بين أهلها، إلاّ تأكيداً عن قوة واستعداد العريس واهله لحفظ امانة العروس، ما يطمئن الأهل أنهم ما اعطوا ابنتهم إلاّ لمن يدافع عنها بالدم ان اقتضت الحاجة، فالعروس امتداد للشرف الجماعي للعائلة المنحدرة من عشيرة، والمتفرعة بدورها عن قبيلة لها ابطالها ولها تاريخها المجيد ولها تقاليدها ولها أعرافها، ومنها محرّمات وخطوط حمر يُمنع تجاوزها، كما نجد في الموروث التاريخي للشخصية القبلية تلك، شعور الاضطهاد والتنكيل والخيبات واراقة الدماء مع تراكم الثارات عند الهزائم.
كلّ ما ذكرناه، لا يختفي بقرار أسلمة القبيلة ولا بنيل شهادة جامعية ولا بانتماء وتبعية لحزب اسلامي كحزب الله مثلا، كما من المعلوم ان في الماضي القريب والبعيد عشائر كثيرة بايعت حركة أمل والبعث والرئيس كميل شمعون والرئيس فؤاد شهاب واكثر من ذلك، فإنّ افراداً كُثر من بعض العشائر بايعوا وانخرطوا واستشهدوا مع الحزب الشيوعي اللبناني.

اقرأ أيضاً: من حُسن التدبير حلالاً إلى «تزبيط» الحال تشبيحاً الى التشليح حراماً

هذا الامتداد لعقل الفارس ما زال حيّاً وقد استغلّته و وظّفته كلّ القيادات لصالح معاركها الدموية اولاً ولصالح معاركها الانتخابية ثانياً.
يجب الاشارة لسمات أخرى تسير الى جانب البطولة والتضحية في عقل الفارس، كفكرة الغنيمة والتي يتفرع منها فكرة اخرى، كفكرة السلبطة واستسهال الخوض في نزاعات والاستعانة بالأقرباء ونصرة ابن العمّ ظالماً كان ام مظلوما…
كما تواكب فكرتي البطولة والتضحية سمات اخرى لها عمقها الموروث من حكايا الهزائم والاضطهاد، كالشرح المرضي للاحداث، والشرح المرضي للكلام واخذ الامور والاشارات كايحاءات ومعانٍ معادية ومقصودة شخصياً بالاهانة، وكاستهداف لكبرياء الشخص ولإنتمائه القبلي ولهويته العائلية، ما يتسبب بالانفعال المفرط والتهيّب المخيف والاستنفار المفاجىء والتوثب الخطر، ما يزيد من احتمالات الصدام والعراك والتقاتل السريع.

ليست المشكلة في السلاح المتفلت بل بتركيبة الشخصية الفروسية العائلية العشارئية القبلية، ولا يظنن احد ان هذا التحليل صالح وصائب مع الشخصية البعلبكية (الهرمل-البقاع) بل صحيح وصائب اكثر مع شخصيات اخرى في مناطق مختلفة ليس في لبنان وحده، بل يتعداه الى البلاد العربيةايضا…

المسؤول الأول عن عدم معالجة ذلك الامتداد المنحرف للفروسية في الشخصية هو غياب وتجاهل الدولة والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وحركة أمل وحزب الله خاصة، لم لهم من مقدرة ومونة على اهالي المنطقة.

لم نناقش الاثر المناخي والجغرافي والمعيشي الخانق والاثر الاقتصادي والثقافة الدينية الشيعية الاسبرطية القتالية والمستنفرة دائما، اذ سيتحول عندها المقال لدراسة لم يطلبها منّا احد، ولم يعمل عليها كل خبراء وأطباء النفس والاجتماع العاملين في مؤسسات حزب الله من الهيئة الصحية الى التعبئة التربوية! ولا في وزارة الشؤون الاجتماعية.

قبل توجيه النصائح وقبل المواعظ وقبل قدوم فاعلي الخير للمصالحة، كفوا وانزعوا خناجركم عن شخصية ابن بعلبك، ابن الكرم والمروءة من ابن زعيتر والمقداد الى شمص وجعفر ومشيّك وأمهز وناصرالدين والى كل الأحبة من عائلات البقاع.
شاركتم جميعا في قهر هذه المنطقة فلا يتفلسفن عليها أحد.
وكأسٍ قد شُربت ببعلبك وأخرى في دمشق وقاصيونا…
أبا هند فلا تعجل علينا وانظرنا نخبرك اليقينا..

السابق
جنبلاط: حادثة البساتين ابتدأت من الشويفات واجتماع بعيدا غير نافع
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الاثنين في 29 تموز 2019