لم شمل الحكومة يتطلب واحدة من اثنتين… ومسار الأمور يحدد اليوم

يتفق الجميع على ضرورة انعقاد الحكومة ومعالجة الأزمات المتراكمة، لا سيّما أزمة العمالة الفلسطينية، إلا أن ذلك ليس كافياً ليتراجع النائب طلال أرسلان عن مطلب المجلس العدلي في قضيّة البساتين ولا النائب السابق وليد جنبلاط عن رفضه، فيما يستمر اللواء عباس إبراهيم في العمل على مبادرته والوصول إلى اتفاق يسهّل انعقاد جلسة للحكومة هذا الأسبوع.
للأسبوع الثالث على التوالي، يبدو مجلس الوزراء مهدّداً باستمرار التعطيل بفعل الانقسام الحاد بين أطراف الحكومة حول إحالة ملف البساتين إلى المجلس العدلي. 
وحفل يوم أمس باتصالات وزيارات قام بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لحل أزمة البساتين، مع رئيس الحكومة وقبله الوزير صالح الغريب، واتصالات بالرئيس نبيه بري، واتصالات من بري بمختلف الفرقاء، بهدف إيصال المبادرة إلى مرحلة المخرج وعقد جلسة للحكومة هذا الأسبوع، مع اقتناع الجميع بأن الوضع لا يحتمل التعطيل. لكن هذا الاقتناع لا يبدو كافياً لتنازل أي من الأطراف، التي بقي جميعها متمسّكاً بالسقوف العالية حتى ساعة متأخرة من ليل أمس. وشاعت أجواء “إيجابية” عن التوصّل إلى تفاهم حول المخرج القضائي والإعلامي لمطلب رئيس الحزب الديموقراطي النائب طلال أرسلان وحلفائه بإحالة جريمة البساتين على المجلس العدلي، واعتماد مخارج بديلة، إلّا أن مصادر رفيعة المستوى معنيّة بمبادرة إبراهيم أكدت لـ”الأخبار” أنه لم تتحقّق خروقات جديّة حتى الآن، مشيرة إلى أن المخارج موجودة لكن ما ينقص قرار الحلّ. 
على ضفة فريق رفض المجلس العدلي، يتمسّك الحريري برفض طرح الأمر على جدول الأعمال، حتى لو كانت النتيجة سقوط المشروع والتعادل في عدد الأصوات بين الرافضين والمؤيدين لقرار المجلس العدلي. وبحسب ما افادت “الأخبار”، فإن الحريري أبلغ رئيس الجمهورية ميشال عون والمعنيين أنه لن يقبل أن يطرح عون الملفّ من خارج جدول الأعمال، وأنه قد يخرج من الجلسة في حال طرح الأمر. 
وهو بذلك يلاقي حليفه النائب السابق وليد جنبلاط الرافض لتحويل الملفّ بالمبدأ، والذي يضع الأمر في اتصالاته العربية والغربية في إطار حرب من حزب الله وسوريا عليه. وفي الأيام الماضية، استقبل جنبلاط سفراء ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والمستشار السياسي في السفارة الأميركية كلّ على حدة، ثم السفيرة الأميركية في بيروت إليزابيث ريتشارد، لوضعهم في صورة “المؤامرة” المفترضة عليه، بعد إيفاده الوزير وائل أبو فاعور إلى السعودية الأسبوع الماضي مبلغاً إياهم “بخطورة المجلس العدلي عليه وعلى الحزب الاشتراكي لشيطنته وتوقيف الوزير أكرم شهيب، وأن خلف هذا الأمر حزب الله”.
أمّا على ضفة أرسلان وحلفائه، يستمر حزب الله في دعم موقف رئيس الديموقراطي، مع تأكيده ضرورة التوافق وحماية الحكومة. وعلى عكس موقفه خلال الأسبوعين الماضيين، وتمسكه بالمجلس العدلي، انتشرت معلومات ليل أمس عن أن رئيس الجمهورية بات منفتحاً على حلول تتجاوز المجلس العدلي وتسرّع في عودة الحكومة إلى العمل، بعد أن لمس استحالة تغيير رئيس الحكومة موقفه، ما يضع ضغوطاً على أرسلان، ويعوّل عون على حزب الله لتليين موقف رئيس الديموقراطي. لكن مصادر الحزب الديموقراطي نفت علمها بتغيير في موقف عون، مؤكدةً أن “رئيس الجمهورية مقتنع بأن على العدالة أن تأخذ مجراها، وجريمة البساتين هي محاولة اغتيال فاشلة لوزير أو وزراء في الحكومة سقط فيها شهيدان، وتهزّ أمن الدولة وتستوجب المجلس العدلي”.

شروط وشروط مضادة
ويبدو، بحسب معلومات مصادر رسمية مواكبة للاتصالات ان الجهد المبذول لا يزال يصطدم بشروط وشروط مضادة، حيث أكّد وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب لـ”اللواء” ان الحزب الديموقراطي يُرحّب بمسعي المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لمعالجة ذيول جريمة قبرشمون، وهو لم يرفضها ويلتزم بالآلية التي وضعها للحل، لكننا نؤكد ان لا مطلوبين من قبلنا، لأننا نحن الضحية، ولدينا شهود جاهزين للإدلاء بشهادتهم امام المجلس العدلي، ونحن غير مستعدين لمناقشة أي اقتراح خارج هذه الإحالة، وقبل تسليم المطلوبين الأساسيين من الطرف الآخر لا مجال للبحث. 

مجلس الوزراء: واستناداً لهذه الشروط والشروط المضادة، فقد استبعدت مصادر مطلعة ان يدعو الرئيس الحريري إلى جلسة لمجلس الوزراء في هذه الأجواء المحمومة، وقبل ضمان فصل المسألتين عن بعضهما، بحيث تكون جلسة مجلس الوزراء ببنود عادية بانتظار استكمال التحقيقات الأمنية، علما ان مسعى الوزير سليم جريصاتي تركز خلال الأسبوع الماضي على محاولة تقديم تطمينات للطرفين، بحيث يطرح موضوع الإحالة على التصويت، فإذا سقط الاقتراح تذهب التحقيقات إلى القضاء العسكري، وإذا فاز فريق يلتزم الآخر بالقرار، لكن يبدو ان لا الرئيس الحريري ولا جنبلاط مستعدان لخوض هذه التجربة، خاصة إذا أدت إلى انقسام الحكومة وبالتالي استمرار تعطيلها، وعلى هذا تستبعد المصادر التوافق على عقد مجلس الوزراء في فترة قريبة. 
الا ان معلومات صحافية، أفادت ان اليوم سيكون حاسماً لجهة تحديد اتجاه مسار الأمور. 

وذكرت “الشرق الأوسط” من المصادر الوزارية أن الرئيس الحريري يميل حتماً إلى توجيه دعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء بالتشاور مع الرئيس عون؛ على أن تُعقد في بحر الأسبوع الحالي. وقالت المصادر إن الرئيس الحريري وإن كان يتجنّب إقحام مجلس الوزراء في اشتباك سياسي في حال تعذّر التفاهم على مخرج يدفع في اتجاه الاتفاق على تسوية سياسية لإخراج حادثة قبر شمون من التجاذبات السياسية وتبادل تسجيل المواقف في شأنها، وتحييدها عن جدول أعمال الجلسة الوزارية؛ لئلا تبقى مادة مشتعلة تهدد العودة إلى تفعيل العمل الحكومي، فإنه في المقابل يرفض إدراج مصير الجلسات على لائحة الانتظار.
وتساءلت المصادر الوزارية عما إذا كان من الجائز التمديد لتعطيل الجلسات، وكيف سيكون رد فعل المجتمع الدولي الذي قدّم كل ما يتوجب عليه لمساعدة لبنان للنهوض من أزماته الاقتصادية والمالية من خلال ما توصّل إليه مؤتمر سيدر، كما تساءلت عما إذا كان معقولاً أن تبقى الحكومة ضحية التعطيل في ظل تسارع التطورات الأمنية والسياسية في المنطقة وما يترتب عليها من تداعيات سلبية على الوضع الداخلي، وماذا سيكون رد فعل الرئيس عون، وأيضاً الرئيس الحريري؟ وهل يقرران الاستسلام للمحاولات الرامية إلى شل قدرة الحكومة وقطع الطريق على الجهود التي تتطلع مع إقرار الموازنة، إلى نقل لبنان من مرحلة الانتظار إلى مرحلة جديدة يراد منها الانطلاق باتجاه تفعيل الدخول في عملية إنقاذه اليوم قبل الغد لئلا تضيع عليه الفرصة التي أوجدها مؤتمر “سيدر”؟

نقل الملف الى القضاء العسكري: وافادت “الشرق الأوسط” من مصادر سياسية مواكبة للمهمة التي يتولاها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بغية تسويق المخرج الذي يحظى بدعم رئيس الجمهورية، بأن الأخير يريد عودة مجلس الوزراء إلى استئناف جلساته اليوم قبل الغد. وقالت المصادر نفسها إن الرئيس عون يؤيد نقل ملف البساتين من القضاء المدني إلى القضاء العسكري، بوصف هذا الاقتراح ما هو إلا تسوية وسطية، لكن النائب أرسلان باقٍ على رفضه، مع أن «التيار الوطني الحر» لا يعترض على اقتراحه. ورأت أن الدعم الذي تلقّاه أرسلان من الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في مقابلته الأخيرة تسبب بإرباك «التيار الوطني» لأنه لا يريد أن يتعامل البعض مع موقفه كأنه على تعارض مع حليفه، إضافة إلى أن أرسلان كان أبلغ حلفاءه بأن عدم الأخذ باقتراحه سيرتدّ عليه سلباً، خصوصاً في داخل «البيت الدرزي»، فيما لقي موقف جنبلاط – بحسب المصادر المواكبة – ارتياحاً لدى طائفة الموحدين الدروز لأنه أحسن التعامل مع الملف وأبدى كل تجاوب مع طلب «شعبة المعلومات» في قوى الأمن الداخلي بتسليم عدد من المطلوبين للتحقيق معهم.
وفي هذا السياق أيضاً، ذكرت «الشرق الأوسط» من المصادر الوزارية بأن «شعبة المعلومات» ختمت التحقيق في حادثة البساتين وسلّمته إلى النائب العام التمييزي بالوكالة القاضي عماد قبلان الذي كان أوكل إليها التحقيق في الحادثة.
اجواء غير مشجّعة: وتحدثت مصادر بيت الوسط لـ”الجمهورية” عن اتصالات حثيثة ستشهدها الساعات المقبلة، الّا انها لم تَشأ الدخول في التفاصيل، مشيرة الى انّ خطوط التواصل مفتوحة في كل الإتجاهات. 
على أن هذا الأمل المتجدد من قبل الحريري ما زال يتواكب مع اجواء غير مشجعة، بالتوازي مع سؤال مطروح في مستويات سياسية مختلفة ليس فقط حول سرّ التعطيل غير المبرر لجلسات مجلس الوزراء، بل عمّن يعطل الحكومة، ومن هي الجهة التي تدفع من الخلف الى هذا التعطيل، وما هو الهدف المتوخّى من هذا التعطيل؟ 
الساعات الماضية شهدت حراكاً مكثفاً، لنزع فتيل التصعيد والتعطيل الّا انّ المعنيين بهذا الحراك لا يوحون بتقدّم، فعقدة المجلس العدلي لم تخرج بعد من دائرة التصعيد المتبادل بين الحزب التقدمي الاشتراكي ومن معه، لجهة رفض إحالة حادثة قبرشمون الى المجلس العدلي، مع القبول بالاحالة الى المحكمة العسكرية، وبين الحزب الديموقراطي اللبناني ومن هم خلفه، لجهة الإصرار على الموافقة على مبدأ الاحالة قبل الحديث في اي أمر آخر. 
فصل.. لم يتم: وفيما أكدت معلومات موثوقة لـ”الجمهورية” ان هناك فكرة طرحت كمخرج لهذه الازمة، يقوم على الفصل بين حادثة قبرشمون وبين الوضع الحكومي، لاستئناف جلسات مجلس الوزراء، الّا انّ المعنيين بحركة الاتصالات كشفوا لـ”الجمهورية” انّ هناك صعوبة شديدة تحول دون تحقيق هذا الهدف حتى الآن، لكنّ الأمور ليست مقفلة، وبالتالي في الامكان التوصّل الى شيء ما خلال هذا الاسبوع، وهذا رهن بنتائج الاتصالات والجهود التي سيتابعها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم مع أطراف الازمة. 

اقرأ أيضاً: لماذا نتضامن مع الفلسطينيين ضد حكومتنا؟

السابق
سابقة «حزب الله» في تاريخ الموازنة!
التالي
«الدستوري» العالق في الحكومة…غارق في المحاصصة!