كيف تمكّن نتنياهو من خطف لقب صاحب أطول مدّة حكم في إسرائيل؟

يقول الكاتب البريطاني جورج أورويل: “الاحتفاظ بالسلطة لا يأتي عن طريق التوفيق بين المتناقضات”، لعلّ تلك المقولة، كان قرأها بنيامين نتنياهو منذ أن توّلى للمرة الأولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية في العام 1996، وما فتئ “بيبي” يعتدُّ بتلك “الحكمة” طوال مدّة حكمه التي باتت قاب قوسين أو أدنى من أن تكون الأطول في تاريخ إسرائيل.

فعلى الرغم من الفضائح والأزمات والصراعات الداخلية والخارجية، التي تربّصت بنتنياهو، إلا أن ثقة الناخب الإسرائيلي به بقيت حاضرة، حتى أن هناك في إسرائيل من ينسب إليه الفضلَ في الحفاظ على إسرائيل آمنة ومزدهرة، إضافة لحماية “هويتها اليهودية” وتعزيز مكانتها على الصعيد الدولي.

المعارضون لنتنياهو، من جانبهم، يرون أنّه بدد الآمال في التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين، إضافة إلى تمزيقه النسيج الاجتماعي في بلاده وانتهاكه حقوق الأقلية العربية والمعارضين اليساريين وقيامه بتطعيم السياسة بثقافة الفساد.

صاحب أطول مدّة حكم في إسرائيل

لكنّ المؤيدين والمعارضين لنتنياهو يجمعون على أن الرجل ترك بصمته في تاريخ إسرائيل، كما هو حال مؤسسها ديفيد بن غوريون الذي أمضى 13 عاماً وأربعة أشهر ونيف في رئاسة الحكومة، هذه المدّة سيتجاوزها نتنياهو في العشرين من شهر تموز/يوليو الجاري، ليصبح صاحب أطول مدّة حكم في إسرائيل.

وفي حديث لـ”رويترز” يقول أفيف بوشنسكي وهو مساعد سابق لنتنياهو: “أعتقد أنه الرجل المناسب في المكان المناسب، إنه الشخص الذي سينقذ إسرائيل ويقودها إلى ملاذ آمن”، على حد وصفه.

عقبة كأداء

لكن نتنياهو، الذي تجاوز الكثير من العقبات، يقف الآن أمام واحدةٍ “كأداء” ربما أنّها التحدّي السياسي الأكبر في تاريخه، ذلك أنه بعد فشله في تشكيل أغلبية برلمانية إثر الانتخابات العامة في نيسان/أبريل الماضي، ستشهد البلاد إعادة للانتخابات في السابع عشر من شهر أيلول/سبتمبر القادم، وحتى ذلك الحين سيواجه “بيبي” جلسة استماع مع المدّعي العام، الذي أوصى بإدانته في تهم تتعلق بالفساد، وقد ينتهي به الأمر إلى التنحي ومغادرة مربّع السياسة.

وعلى نحو مغاير لما تميّز به سابقوه، لم يترك نتنياهو البالغ من العمر 69 عاماً بصماتٍ على صعيد الحروب، كما أنه لم يحقق إنجازاً على صعيد اتفاقات السلام، بل على العكس فهو لم يخف فخره بأنه واجه مبادرات السلام المختلفة، وسمح لمستوطنات الضفة الغربية بالتمدد والإزدهار.

إن الإنجازات “البارزة” التي ارتبطت بنتنياهو، مثل مواجهة البرنامج النووي الإيراني، واستهداف (سراً) شحنات الأسلحة التي كانت في طريقها إلى أعداء إسرائيل، وبناء سياج حدودي لوقف تدفع المهاجرين الأفارقة، جميع تلك الإنجازات كانت بذورها قد زرعت قبل أن يتولّى الحكم.

“حامي إسرائيل”

نتنياهو كثيراً ما ردد على مسامع المقرّبين منه بأنه يسعى لأنه يتمّ ذكره باعتباره “حامي إسرائيل”.

المعجبون به، كما المنتقدين له، يرون أن ما يميّز نتنياهو هو فطنته ودهائه السياسي، واندفاعه للفوز بغض النظر عن الثمن، كما أن الرجل يمتلك قدرة غريبة على تسويق سياساته المتغيرة للجمهور.

نتنياهو خطيب مفوّه باللغتين الإنجليزية والعبرية، تم انتخابه لولاية واحدة في أواخر التسعينيات على منصة معارضة اتفاقات أوسلو مع الفلسطينيين، لكن بمجرد توليه منصبه، واصل تنفيذ تلك الاتفاقات، بل والتقى مع عدّوه اللدود (الراحل) ياسر عرفات.

وبصفته وزيراً للمالية في أوائل العقد الأول من القرن العشرين، قام نتنياهو بتخفيض الضرائب وتراجع عن استحقاقات الجالية اليهودية الأرثوذكسية المتطرفة فقط لعكس المسار بمجرد عودته إلى السلطة لتأمين دعمهم السياسي.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تطالب روسيا بإبعاد «حزب الله» عن الجولان وإلا…

كاتب ومفارقة

ونشر نتنياهو كتباً ومقالات لمكافحة الإرهاب، لم يوص فيها قط بالتفاوض تحت التهديد، لكنه، وللمفارقة، أطلق كرئيس للوزراء سراح أكثر من 1000 سجين فلسطيني مقابل جندي إسرائيلي واحد وكان ذلك في العام 2011.

وعلى الرغم من نبرته التوتيرية العالية، فقد أظهر نتنياهو الاعتدال النسبي عندما كان الأمر يتعلق باستخدام القوة العسكرية، فخلال العام الماضي، قاوم دعوات الناخبين المتشددين لتوجيه ضربات أكثر قوة ضد نشطاء قطاع غزة.

وحتى بعد مضي مدة طويلة على تربعه في كرسي السلطة، ما برح نتنياهو يوحي بأنه مستهدف من قبل الإعلام والمعارضة والقضاء، ليتماهى في ذلك مع تكتيكات صديقه الحميم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكذلك مع الزعماء اليمنيين الشعوبيين مثل المجري فيكتور أوربان والبرازيل يير بولسونارو، وكلاهما من المناصرين لإسرائيل.

القاعدة الانتخابية التقليدية

لعب الخطاب المناهض لمؤسسات بعينها، إلى جانب التحريض من حين لآخر ضد الأقلية العربية واليسار السياسي في إسرائيل، دوراً في تحصين قاعدته الانتخابية التقليدية، وخاصة أولئك الذين ينتمون للطبقة العاملة.

وتنقل “رويترز” عن الصحفي أنشيل فايفر، وهو صاحب عمود في صحيفة هآرتس اليومية ومؤلف سيرة نتنياهو، إن رئيس الوزراء ترأتس فترة من الرخاء والهدوء النسبي، لكن ليس لديه “إرث ملموس”.

غالباً ما يفتخر نتنياهو بتوسيع العلاقات مع الدول التي كانت تتجاهل سابقاً إسرائيل – بما في ذلك الدول العربية التي تتقاسم عداوة إسرائيل تجاه إيران.

“الشخص الذي تمكن من تدمير فرص السلام”

ويضيف فايفر: “ما رأيناه خلال سنوات من حكم نتنياهو هو تحول تدريجي أكثر نحو رفع القضية الفلسطينية عن جدول الاعمال.”، وقال: “تركيز إسرائيل والدول العربية الكبرى (حالياً) على إيران باعبارها التهديد الإقليمي الرئيس”.

أما السياسية الفلسطينية البارزة حنان عشراوي، فتقول لـ”رويترز”: إن نتنياهو سيُذكر بأنه “الشخص الذي تمكن من تدمير فرص السلام” ، ومهد الطريق إلى دولة التمييز العنصري عن طريق تعميقه سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية، التي احتلتها في حرب عام 1967.

شاهد نتنياهو بالفيديو

السابق
اكتمال تحقيقات حادثة قبرشمون التي وضعها فرع المعلومات
التالي
ميركل تطفئ شمعتها الخامسة والستين وسط قلق ألماني على صحّتها