تساؤلات مشروعة وبعض من قراءة في المستقبل

خالد حماده

يخفي الحراك السياسي المتثاقل، نحو إيجاد مخرج منصف لما جرى في قبرشمون، إصراراً واضحاًعلى المضي  في معركة العبث بالتوازنات في الجبل،  والمسار المستخدم هو الضغط والتضييق على وليد جنبلاط والتهويل بالإجراءات القانونية. إنّه لمن البديهي التساؤل عن الإمعان في التنكّر لوقائع موثّقة حصلت في موقع الحدث، ليس أقلّها مساءلة الجهة التي بدأت بإطلاق النار! فتقنيّاً من يبدأ بإطلاق النار هي الجهة المنفذّة للكمين وليس الجهة المستهدفة، وأوجب ما يجب أن تقوم به الجهة المستهدفة هو إخراج الشخصية من بقعة الكمين وليس البقاء فيها وإطلاق النار على من اتّخذوا مسبقاً مراكز للرماية بهدف إغتيال الشخصية. 

اقرأ أيضاً: ماكرون لن يزور لبنان إلا… وتحذير خطير من إسرائيل وصل الى بيروت؟

ومن البديهي أيضاً التساؤل عن مكان تواجد الوزير صالح الغريب في الوقت الذي أصيبت سيارته بعشرات الطلقات في الباب الخلفي مما يجعل من المستحيل نجاته أو عدم إصابته في حال تواجده في داخلها! كلّ ذلك ينفي من الناحية التقنيّة تعرّض الوزير لكمين بهدف اغتياله وفق ادّعاء وزير الدفاع، وينفي وجود الوزير داخل السيارة لحظة إطلاق النار عليها مما يُسقط أي سبب موجب لإحالة القضية أمام المجلس العدلي. هذا على الأقل ما يمكن لأي محقق مبتدىء أن يستنتجه.
وبالتزامن مع  تسليم الحزب التقدمي الإشتراكي  خمسة من المطلوبين دون أية مبادرة من الفريق الآخر، أقفل رئيس الجمهورية كلّ المساعي حتى تلك التي يقوم بها الرئيس نبيه بري بعد  تعطيل كتلته النيابية جلسة مجلس الوزراء، ورُبّ قائل أنّ رئيس الجمهورية لن يوافق على جدول الأعمال الذي لا يتضمّن إحالة قضية قبرشمون الى المجلس العدلي مما يشكّل تجاوزاً واضحاً  للمادة 64 من الدستور . 
التوتر السلبي في الجبل بلغ أوجه وهو مستمر، فأي جديد يُمكن أن يطرأ؟ هل ننتظر إختراقاً أمنياً جديداً أو عملية ثأرية محدودة تمهيداً لجولة جديدة من الإجراءات الأمنية؟ وهل هناك من يعتقد أنّ ترك المجتمع في الجبل يذهب وفقاً لتداعيات منطقه الداخلي يمكن أن يأخذه الى مزيد من الإنقسام يُمكن تجييره في النهاية لمصلحة طرف إقليمي؟ أو أنّ مجرد  رسم مسار من الأحداث المتخيّلة والإجراءات يمكن أن يُفضي لتوجيه الإتهام لوليد جنبلاط أو لابتزازه وإلزامه على تقديم تنازلات سياسية معيّنة ؟ وإذا كان الأمر كذلك فإلى من ستوكل هذه المهام الشائكة، وما هي قدرة المؤسسات الأمنيّة والسياسية والقضائية ذات الصلة على تحمّل هذا القدر من الضغوط والحفاظ على تماسكها؟! وهل هناك من يعتقد أنّ التوازنات اللبنانية الموجودة والى أجلّ غير منظور مرتبطة بمزاج سياسي داخلي أو بمعادلة إنتخابية من المتاح تغييرها لمجرد الشعور بفائض قوة ما؟ ألا تكفي التجارب التي عاشها لبنان منذ سبعينات القرن الماضي، من دخول القوات السورية في العام 1976 وحتى اجتياح بيروت واتّفاق 17 أيار وإسقاطه وتوقيع اتّفاق الطائف وتحرير الجنوب وصولاً الى انتخاب رؤسائه والى كلّ العبث الذي يعيشه الشعب اللبناني للتيّقن أنّ الحدث المحلي خاضع لتوازنات دولية قد لا يكون للاعبين المحليين أي دور في تقريرها.  
إنّ الحديث عن مصالحة في الجبل غير واقعي، لأنّ شروط الخلاف غير محققة وبالتالي فإنّ المصالحة وتداعياتها التي يحلم بها البعض بمعنى الإنتقال من واقع سياسي الى واقع سياسي آخر تصبح مستحيلة. كذلك إنّ أيّة مصالحة تقوم على توسّط طرف ثالث بين فريقين ينتميان الى مجتمع تتداخل فيه الإنتماءات العائلية وعلاقات القربى بالولاءات الحزبية والشخصية، وتحكمه عادات وتقاليد موروثة عميقة في اللاوعي الجماعي بحيث يستحيل الفصل بين المجتمعي والديني، محكومة مسبقاً بالفشل. إنّ المقاربة المطلوبة هي مقاربة أخلاقية قيميّة توائم تراتبية مجتمعية غير معلنة، يدركها عقلاء وكبار الجبل ويمتثل لها شبابه. 
يوم الأحد المنصرم، قدّم أهلنا في طرابلس نموذجاً رافضاً ليس للوزير جبران باسيل فحسب بل لكلّ الآداء السياسي الإستعراضي للتيار الوطني الحر. إحجام قادة المدينة وشخصياتها السياسية والدينية والإقتصادية على تنوّعها عن التواجد في معرض رشيد كرامي الدولي وإقفال بيوتها بوجه الزائر غير المرحّب به يعبّر عن عمق الإمتعاض وحجم الرفض الذين تختزنهما مدينة هي الأكثر فقراً وإهمالاً بين مدن شرق المتوسط وربما الأكثر حاجة لزيارة مسؤول يتفقد أحياءها وأسواقها ومطامر النفايات وبناها التحتيّة. شهامة أهل المدينة وكبرياؤهم شكّلا بطريقة هادئة ومعبّرة رادعاً للزائر فعاد خائباً ولم يجرؤ على طرق أبوابها.
والآن بعد بعلبك والبقاع الغربي وبشري وطرابلس وقبر شمون، هل يعي أصحاب الرأي في التيار الوطني الحر، الذين عُطّل المجلس النيابي لمدة سنتين ونصف من أجل إيصال رئيسهم الى السلطة، حجم المأزق السياسي والإقتصادي الذي يأخذون لبنان إليه، وهل يُمكن أن تدفعهم هذه الإخفاقات المتتالية الى قراءة جديّة للتوازنات اللبنانية ولكيفية تشكيل السلطة، وهل بإمكانهم الكف عن امتهان الهيمنة على الحياة السياسية وتحويلها الى مادة إبتزاز دائمة ومتواصلة تحت طائل التهديد بالذهاب الى المجهول؟  
قد يفضي استمرار السلطة بهذا العبث الى الدخول في حالة اللإستقرار ولكن الخروج منها وتوقيت الخروج لن يكون  بمتناولها …

السابق
ترامب يعلق على «التسريبات البريطانية» ولندن تفتح تحقيقاً
التالي
بالفيديو.. موت «أثقل» رجل في باكستان