من البصرة إلى ضاحية بيروت: اليأس والإحباط يفتكان بأحلام الشباب

السيد
صرخة السيد علي الطالقاني في البصرة هي صرخة ضد رجال السلطة ورجال الدين المسؤولين بشكل أساسي عن الأزمات التي يعيشها الشعب نتيجة اهمال الدولة وفساد حكامها. كم يمكن أن يكون الوضع شبيها هنا في لبنان؟

تتشابه الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والدينية بين لبنان والعراق.

السيد علي الطالقاني هو رجل دين عراقي وخطيب حسيني، التحق الطالقاني بالحوزة العلمية في النجف عام 2000 ودرس المقدمات والسطوح، ومن ثم توّجه إلى احتراف الخطابة الحسينية. وقد وقعت شهرة الطالقاني نتيجة لأسلوبه الخطابي الواقعي حيث يعتبر الخطابة طريقاً للاصلاح لا مهنة. فمن خلال المنبر يسعى لفرض هيبة الحوزة العلمية في قيادتها المجتمع وليس مجرد الاكتفاء بذكر مصيبة الحسين. كما امتاز بجرأته وصراحته وتطرقه إلى الواقع السائد في المجتمعات المسلمة ومعايشته للشباب وانفتاحه. وتميّز بخطابه الإنساني في محاضراته وهو أمر لم تعهده الخطابة الحسينية التي يغلب عليها الطابع الديني، حتى اشتهر بمقولته (الدين خلق من أجل الإنسان).

من هنا تجاوز منبره الجمهور الشيعي، وتميّز بخطابه الأبوي، وهو ما جذب الشباب إلى منبره كونه يعتبر أن نشوء الأجيال على مفهوم الإنسانية وتمركز هذا المفهوم في نفوسهم سيساهم في نشوء جيل صالح.

اقرأ أيضاً: محاولات الإنتحار في لبنان… لا تزال ضمن المعدلات الطبيعيّة!

ففي خطبته الاخيرة في محرم 2019، قال الطالقاني: “.. ندعو أجهزة الدولة الى الاهتمام بشريحة الشباب، لأن الفساد قد غطى الوطن بأكمله، فبعد أن يدرس الطلاب ويتعبون ويشقون من أجل تحصيل الشهادة، وبعد أن ينالوا الشهادة نجدهم “أحلاس” بيوتهم. فيجدون أنفسهم عاطلين من العمل. الجميع يغتني والعراق يفتقر، لقد جعلوا الشباب لا يتقنون سوى فن اللعب والأرغيلة. والدولة هي من تدعم الألعاب، ألهوهم بالمقاهي والألعاب الإلكترونية حتى لا ينزلوا الى الشارع ويثوروا. فاذا حظرت الألعاب ينزلون الى الشارع ليثوروا عليهم”.

ويتابع قائلا “الشاب ينتحر لأنه يرى أن الكثير من الخطاب الديني وبعض المنابر تحوّل الى البكاء. المنبر عبرة يجب أن يشعر بالمحرومين وأن يقدّم النص الديني ليخدم مجتمعه، وكم من عالم لا قيمة له كما هو حال البعض في دول شرق آسيا. وهم لا يقدمون أيّ تغيير لمصلحة الشباب. وليس بالبكاء نغيّر المجتمع بل بالفكر. وهم لا يُقدمون على أيّ تغيير من أجل المجتمع”.

ويلفت إلى أننا “نرى الشباب يقفون على النهر وينتحرون ليس لنقص في الإيمان، بل لأن البعض يتخذ من الدين غطاء له ودعاية له. قسما بالله إن متـأسلميّ السلطة خرجوا عن هدى الإسلام، ويتخذون من الدين غطاء لهم”.

ويختم الطالقاني بقوله “لم نرَ أيّ تغيير، بل حوّلت الدولة المنبر للبكاء، مع أن دور المنبر هو الثورة”.

ولمزيد من التوضيح، يؤكد الشيخ علي مظلوم، إبن منطقة البقاع المحرومة، التي طالما تغنّى المسؤولون والمعممون والوزراء والنواب وكل من هو معنيّ بها، بوعود عرقوبية إنتخابية لم تجد أي تنفيذ لها على أرض الواقع بُعيد السادس من آيار 2018، فيقول ردا على السؤال التالي “بعد استماعنا لخطبة السيد الطالقاني، إلى أي حد يشبه واقع الشباب العراقي واقع الشباب اللبناني وبالأخص البقاعي؟

يقول سماحته لـ”جنوبية”: “تقريبا وجه الشبه واحد بين واقع الشباب اللبناني والشباب العراقي، خاصة الشباب الشيعي لأن طاقاتهم العطائيّة وتضحياتهم وطيبة قلوبهم تم استغلالها لمصالح إقطاعات الدين والسياسة، وتلك الإقطاعات نتج عنها تشريد هؤلاء الشباب، بعدما اغتصبت حقوقهم وأقحمتهم في مرارات العيش باسم الدين والمقدسات والمرجعيات وخدعتهم بطرح القضايا النبيلة”.

الشيخ علي مظلوم

وحول إن بعض رجال الدين والمعممين يركزون على قضايا مذهبية تشعل الفتنة او يتحدثون عن مسائل بعيدة عن واقعنا المتهالك اقتصاديا. فماذا تقول لهؤلاء المعممين؟ ولماذا يُحابي رجل الدين السياسيين الحاليين رغم أن الإمام عليّ لم يكن يسير على هذا النحو؟

يرى الشيخ علي مظلوم أن “بعض رجال الدين الذين ركزوا على القضايا المذهبية التي تُشعل الفتنة لعلمهم بأنها مادة دسمة للحفاظ على تنظيماتهم، يحاولون خداع الناس وإشغالهم بأمور تُمكن وجود أحزابهم التي تمنع بناء وطن يحترم فيه الإنسان، وتقام فيه العدالة، ويُحاسب فيه الشريف قبل الوضيع، فوصل السلاطين الفاسدين الى السلطة ببركة سعيّهم في تجهيل الناس، وهذا يدلّ على الكثير من المسائل، وأهمها أن هناك يدا خفية مخابراتيّة تسوقهم كما تريد، وأهم أهدافها تمريض الناس، أي أن تجعل الأمة أمة مريضةً لا تميّز بين الجمل والناقة، وبين الصح والخطأ، كما مرَّض معاوية الأمة فجعل من بعض الذين شاهدوا النبي(ص) واستمعوا لقوله وقاتلوا تحت رايته يشاركون في محاربة ابن بنته الحسن(ع)، وهذا يدل على فقد المعايير والموازين”.

اقرأ أيضاً: تعليمات للحسن لمواجهة حالات الانتحار

ويختم الشيخ مظلوم تعليقه، بالقول “لقد تذكرت قولا للدكتور علي شريعتي يقول فيه بعد أن نظرت إلى أفعالهم واستمعت إلى أقوالهم (‏عندما يشب حريق في بيتك ويدعوك أحدهم للصلاة والتضرع إلى الله فاعلم أنها دعوة خائن لأن الاهتمام بغير إطفاء الحريق والانصراف عنه إلى عمل آخر هو الاستحمار حتى وإن كان عملا مقدساً)”.

و”أحسن ما أقول بحق المعممين الذين يدعون إلى الفتنة بين بني البشرهو قول النبي (ص) سوف يعتلي منبري القردة والخنازير”.

من هنا، فلنتذكر كيف كان المنبر وبشكل يومي لحشد الأصوات مع وعود بالإنماء والتنمية والإعمار. واليوم أين يقف الواعد من الموعودين خاصة بعد حالات التفلت الأمني التي تتكاثر كل يوم؟ وحالات القتل العشوائي والفوضى..

السابق
تقاطعات إيرانية أميركية.. ضرب السنية السياسية والقضايا العربية
التالي
الأزمات المنسية، هي كوارث المستقبل