الدّين في ظل العلم الحديث

السيد محمد حسن الامين
العقل العلمي يأخذ بقانون السببيّة التي تنتهي به إلى الإيمان بوجود أعلى وأسمى يعجز العلم عن الخوض في ذات هذا الوجود وفي تكوينه وهو ما يسميه علماء المنطق بـ واجب الوجود فيما الموجودات الأخرى كلّها لا يمكن أن يطلق عليها وصف واجب الوجود بل هي ممكنة الوجود، وواجب الوجود لا يمكن إلّا أن يكون هو مصدر هذا العالم ومصدر هذا الوجود وهو الله سبحانه وتعالى.

يتابع سماحة العلاّمة المفكر السيد محمد حسن الامين: إنّ الوحي الإلهي استطاع أن ينهي ما يسمى بعصور الآلهة المتعددة التي كان يتخيّلها الفكر الإنساني القاصر.
ومع الإيمان بوجود الخالق ووحدانيته أراد الوحي أن يحرر الكائن الإنساني من أي شكل من أشكال العبودية التي عرفها التاريخ الإنساني من جهة، وأن يثبّت منظومة القيم التي تشكل حاجة ماسّة لاستقامة الاجتماع البشري ووضع القيم الأخلاقيّة التي لا يمكن أن يزعم أحد أنّها ليست حاجة ضرورية لتطور الكائن الإنساني وتساميه على هذه الأرض.
وأعود فأكرر: على هؤلاء الذين أنكروا الحاجة إلى الدين بعد ظهور العلم، لا بدّ أنهم يعلمون أنّ العلم بحدّ ذاته هو إنجاز حيادي، أعني لا يتضمن بالضرورة مسلكاً ومنهجاً لاقتلاع الغرائز الشريرة في الذات الإنسانية، والتي بكل أسف ما زالت قائمة بل تزداد توحّشاً وغلواً مستعينة ـ لإرضاء هذه الغرائز وإشباعها ـ بوسائل العلم الحديثة والتكنولوجيا المتطورة، وما الحربان العالميتان سوى مظهر من مظاهر هذه الهمجية التي لم يستطع العلم أن يلجم غرائزها، بل وفّر لها ما تحلم به من وسائل السيطرة والهيمنة واحتقار الآخر والسعي للتسلط.

اقرأ أيضاً: عصر النهضة ومسؤوليتها في تراجع الدين

إنّ قيَم الدين ما زالت هي الأمل في أن تحقق للكائن الإنساني درجة عالية من الأنسنة والتحرر من الغرائز التي أشرنا إليها، وذلك على صعيد الأفراد والمجتمعات على حدّ سواء.
ويمكنني هنا أن أستطرد قليلاً، وأنا أتذكر مقولة لدستوري فرنسي كبير، يقول: «إنّ القوانين مهما تكن دقيقة وعادلة فإنها عاجزة عن تحقيق العدالة بمعزل عن الكائن الإنساني الذي يتولّى تطبيقها وتنفيذها».
وهذا يعني أن ليس بوسع هؤلاء المفكرين العلمانيّين الذين أشرنا إليهم القول بأنّ منظومة القوانين العادلة التي سنّها ويسنّها الإنسان في العصور المتأخرة يمكنها أن تحصّن المجتمع الإنساني من الظلم.
في نظرنا هذا ليس دقيقاً ولا صحيحاً أنّ الذي يحصّن الاجتماع الإنساني من الظلم ـ بالإضافة لوجود القوانين التي أقرّتها الشريعة الإسلاميّة ـ هو تربية الإنسان من داخله، أي أنّ مزيداً من نمو العامل الخلقي للكائن الإنساني وارتباطه بقيَم الدين هو الكفيل بأن يحقق للقوانين العادلة أغراضها في إنتاج العدالة ما دام الأمر كما يقول هذا الدستوري الكبير هو أنّ القوانين وحدها قاصرة عن تحقيق العدالة الكاملة.
وهذه الأطروحة التي قدّمناها هل يصح بعدها أن يسأل بعض المتعالمين عن ما هي القيمة الحقيقيّة للدين أو للوحي؟!

(من كتاب “أمالي الأمين” للشيخ محمد علي الحاج)

السابق
إيران تطلق تحذيراً.. وتهديداً بأمر غير مسبوق!
التالي
«سكاكر السكر» يجمع رامي عياش بفيفي عبدو