نصرالله واستعراضه العسكري: تخويف العرب ومفاوضة الأميركيين

لم يرد حزب الله لـ”يوم القدس العالمي” هذا العام، أن يمرّ كما كانت هي الحال منذ العام 2006. فما بعد حرب تموز، أوقف حزب الله عروضه العسكرية السنوية، التي كان ينظّمها للمناسبة. وكان يستعرض فيها ترسانته العسكرية، كرسائل واضحة للعدو الإسرائيلي حول جهوزيته لأي مواجهة. بعد 2006، أوقف الحزب تنظيم هذا النوع من الاستعراضات العسكرية، لأسباب أمنية. وترافق إيقاف هذه المظاهر العسكرية والمسلّحة، مع أوضاع سياسية متوترة في لبنان. ففضل الحزب ربما عدم الخروج بهذه العراضات، كي لا تفهم بأنها موجهة إلى الداخل، في ضوء الانقسام العمودي السائد في لبنان.

ما بعد 2006
لكن إيقاف العروض العسكرية في تلك الفترة، لم يحل دون التلويح بالسلاح أو استخدامه لحظة الحاجة إليه، كما حصل في العام 2008. وحينها أعلن الأمين العام للحزب بأن السلاح لحماية السلاح. في فترة العراضات العسكرية ما قبل العام 2006، كان يسود في لبنان توازن سياسي، وواجه حزب الله في حينها أعتى الهجمات السياسية محلياً وإقليمياً ودولياً حول سلاحه وضرورة نزعه. أما اليوم، فيجدد الحزب مع هذا التوقيت الحرج والدقيق إقليمياً ومحلياً الخروج باستعراض عسكري، كدليل جديد يضاف على الانتصارات التي سجّلها الحزب في السياسة، خصوصاً في ظل غياب أي طرف داخلي لبناني، يأتي على ذكر سلاح الحزب أو يطالب بسحبه.

لم يُدخل الحزب عنصر السلاح إلى الاستعراض، كان اللباس العسكري لمقاتليه بفرقهم المختلفة، رسالة كافية وبالغة الوضوح. بعض المظاهر المشابهة بنسبة أقل كانت تبرز في بعض العروض أو المهرجانات التي نظمها الحزب سابقاً، خلال تصاعد وهج المعارك في سوريا. ففي إحياء ذكرى عاشوراء في العام 2015، عمل الحزب على إبراز جزء من آلياته العسكرية المطلية بلون صحراوي، وأنزل مقاتليه بأسلحة وعتاد متطورين. فكانت رسالته واضحة للداخل السوري، وللمعركة الوجودية التي يخوضها. وفي السنة نفسها، أجرى الحزب استعراضاً عسكرياً ضخماً في مدينة القصير، حيث انتقل نشاط الحزب الاستعراضي إلى هناك، تماماً حيث أصبحت وجهة قتاله.

قمم مكة
أراد الحزب لمهرجانه المركزي السنوي هذا العام، أن يكون بالغ الوقع وواضح المعنى. قد لا يحتاج الحزب إلى لغة عسكرية في الداخل اللبناني، فقد أصبح مسلّماً بتسيده وهيمنته على لبنان من قبل كل القوى السياسية، ولا يواجه أي اعتراض جدّي يذكر. الأساس في توقيت الاستعراض العسكري، هو لحظة التصعيد الأميركي الإيراني، والتلويح الأميركي بالمزيد من العقوبات على الحزب، وهو التزامن مع انعقاد قمم مكة الثلاث، للبحث في الرد على الاعتداءات الإيرانية على الإمارات والسعودية، ما يعني أن الرسالة بالغة الدلالة في هذا الإتجاه، وتعني ببساطة: في حال وقوع أي حدث عسكري فإن الجبهات ستكون مفتوحة على بعضها البعض، خصوصاً أن الاحتفال الذي نظّم في لبنان، كان له ما يماثله في كل الدول التي تتمع طهران بنفوذ سياسي أو عسكري فيها. ما يعني أن هذه التحركات تهدف إلى استعراض القوة الإيرانية، في لحظة التجاذب وغياب التفاهمات حتى الآن. وهذا ما كرّسه نصر الله في السياسة، حين رفض الموقف اللبناني في قمم مكة، معتبراً أنه موقف مدان ويخرج عن البيان الوزاري والنأي بالنفس، معتبراً انه موقف يمثّل الأشخاص المشكّل منهم الوفد وليس لبنان.

اقرأ أيضا: حزب الله لا يريد «المثالثة».. الأحادية التامة وبكامل سلاحها

صفقة القرن
وفي هذا الإطار جاء كلام نصر الله حول إسرائيل التي تخاف من صواريخ لبنان وغزة وسوريا، ما يؤكد ترابط هذه الجبهات، بالإضافة إلى العراق واليمن. وبمجرد إعلانه العمل على إسقاط صفقة القرن، فهذا يعني أن الردّ على العقوبات التي تتعرض لها إيران، ستكون في فلسطين. ولفت نصر الله إلى أن ترامب ليس رجل حرب، بل رجل رهانات اقتصادية. وهذا لا ينفصل عن تأكيد نصر الله: “إذا ما شنت حرب على إيران فإن المنطقة كلها ستشتعل، وسيدفع ثمنها الأميركيون ومصالحهم في المنطقة”.

رفع حزب الله شعار “لا لصفقة القرن” عنواناً لمهرجانه، لكن الرسائل التي أطلقت كانت بالغة الوضوح من حيث الوجهة، وهي في صلبها موجهة إلى خصوم إيران، وقد يكون المستهدفون بهذه الرسالة، هم من العرب أكثر من الأميركيين والإسرائيليين. لبنانياً، أراد حزب الله تكريس انتصاره من خلال استعراضه العسكري، والإعلان عن التمسك بمعادلة الجيش والشعب والمقاومة، وأراد الحزب تكريس ذلك من خلال الحضور الرسمي الذي رافق العرض العسكري، إذ كان حاضراً ممثلا رئيسيّ الجمهورية ومجلس النواب، ووزراء ونواب وممثلون عن الأجهزة الأمنية.

الصواريخ وترسيم الحدود
ربط نصر الله ملف صفقة القرن، والتصعيد الأميركي الإيراني، بملف ترسيم الحدود الجنوبية، معتبراً أن هذا الموضوع حساس ويراد به الضغط على اللبنانيين، وهذا في صلب الاستراتيجية الأميركية التي ترتكز على الإنتهازية: “فجاء الأميركي، لاستغلال المفاوضات حول ترسيم الحدود البرية والبحرية، لمعالجة ملف جانبي هو بالكامل لمصلحة إسرائيل، ملف الصواريخ الدقيقة وتصنيعها. وهذا ما لا تريده إسرائيل، وهي تهدد بقصفه”. واعتبر نصر الله أن هذا الملف كان مخفياً منذ أشهر، ولكنه أراد إثارته بعد توسع التفاوض بشأنه. وهذا يؤكد معلومات ذكرتها “المدن” في تقارير سابقة عن المفاوضات، والتي تتعلق بسحب أسلحة حزب الله الدقيقة من حدود نطاق عمل القرار 1701″.

واستكمل نصر الله العرض العسكري الرمزي، بموقفه الذي جدد فيه التأكيد بامتلاك صواريخ دقيقة وبعيدة المدى، قادرة على تغيير المعادلات في المنطقة، مهدداً بانه إذا ما تعرّض أي مركز لحزب الله لضربة عسكرية، فإن الحزب سيرد الصاع صاعين. نافياً امتلاك الحزب أي مصانع للصواريخ، معتبراً أن حزبه قادر على ذلك، وإذا ما استمر الأميركيون على هذه الوتيرة فقد يلجأ الحزب إلى تصنيع هذه الصواريخ. وفيما ربط نصر الله ملف الترسيم بملف الصواريخ، وأوصل رسالة أساسية للأميركيين بانه قادر على الإتيان بمصانع لتصنيع الصواريخ، إذا ما استمرت السياسة الأميركية على هذه الوتيرة.. وهذا مؤشر واضح حول لعبة المفاوضات، وإمكانية تعطيلها أو إطالة أمدها، أو وصولها إلى نقاط مشتركة إذا ما تغيرت السياسية الأميركية، أو تطورت الأوضاع إيجاباً بين واشنطن وإيران. فحينها لن يكون هناك حاجة للتلويح بالصواريخ.

السابق
الحريري اطلع من القاضي الحجار على اسباب طلب نقله من المحكمة العسكرية
التالي
الأمين العام لهيئة علماء فلسطين ينتقد تصريحات أبو مرزوق بشأن إيران..