الغايات الإيرانية: الخطوات التالية أمام طهران والدول المجاورة..

ايران

من السهل عموماً فهم الصورة التي رسمتها إيران للولايات المتحدة من خلال رسائل النظام العلنية، وأبرزها رسائل المرشد الأعلى، إلا أنه من الصعب إدراك التصوّر الذي يشكله تهديد النظام للولايات المتحدة. وفي هذا السياق، قد تكون تصريحات المسؤولين الإيرانيين مضللةً في بعض الأحيان، كما أن الآراء داخل النظام الإيراني غير موحّدة حول هذا الشأن. وفيما يخص الصورة التي رسمتها الجمهورية الإسلامية للولايات المتحدة، تدّعي القيادة الإيرانية أن الولايات المتحدة عدو خطير وعنيد ولا يمكن الوثوق به تماماً. وهذا التصور مستمد من الاعتقاد بأن الولايات المتحدة مصمِّمة على النيل من الجمهورية الإسلامية منذ نشأتها. فعلى سبيل المثال، تدّعي طهران أن العراق غزا إيران ما بعد الثورة بعدما منحته الولايات المتحدة “الضوء الأخضر”، في حين حاولت واشنطن في الواقع تحذير النظام مسبقاً بشأن خطط الحرب التي رسمتها بغداد إلا أنها لم تلقَ آذاناً صاغية.

 

علاوةً على ذلك، تزعم الجمهورية الإسلامية أن الولايات المتحدة منخرطة في مساعي حرب ناعمة للإطاحة بالنظام، مشيرة إلى “الحركة الخضراء” عام 2009، لكنّ هذه الحركة كانت محليةً بحتة، واكتفت إدارة أوباما بالإدلاء بتعليقات معتدلة ومتأخرة عن انتهاكات حقوق الإنسان في ذلك الحين. وفي الآونة الأخيرة، أشارت إيران إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وتقويضه لاحقاً باعتباره مثالاً رئيسياً على عدم مصداقيتها. وفي الأسابيع الأخيرة، حظي احتمال التصعيد غير المقصود بالكثير من الاهتمام. لكن في ظل الظروف الراهنة، من غير المرجح أن يؤدي التصعيد إلى اندلاع حرب.

 

ففي النهاية، لقي مئات الأمريكيين حتفهم خلال السنوات الأربعين الماضية بسبب أنشطة إيران المباشرة أو تلك المنفّذة بالوكالة، في حين قتلت إسرائيل ما بين 100 و150 عنصراً من «الحرس الثوري الإسلامي» في سوريا خلال العامين الماضيين بهدف إثباط محاولات طهران إقامة قاعدة عمليات هجومية هناك. غير أن أياً من هذه التطورات لم يدفع الجانبين إلى الحرب. وفي الوقت نفسه، إن الإحجام تاريخياً عن الدخول في صدام مباشر لا يلغي احتمال نجاح الأصوات المتشددة ضمن المؤسسة الأمنية الإيرانية في حشد الآخرين للانتقام من الولايات المتحدة. وقد تحاول هذه الجهات الفاعلة تكرار أحداث حصلت في الماضي على غرار تفجير ثكنات مشاة البحرية الأمريكية [في بيروت] عام 1983 في مسعى لطرد الولايات المتحدة من المنطقة بشكل نهائي. وفي السنوات الأخيرة، أثبتت إيران أنها لا تريد قيام وكلائها بجرها إلى نزاع غير مرغوب فيه مع الولايات المتحدة.

 

فعلى سبيل المثال، حاول «حزب الله» عام 2006 أسر جنود إسرائيليين بهدف تبادل الأسرى، مما أدّى إلى اندلاع حرب باهظة التكاليف أسفرت عن تدمير قوة الحزب الصاروخية الضخمة التي تُعدّ جزءاً أساسياً من الردع الاستراتيجي الإيراني. ونتيجةً لذلك، فرضت طهران ضوابط أكبر على أنشطة «حزب الله». وعلى نحو مماثل، ومنذ عام 2014، قرّر وكلاء إيران في العراق عدم مواجهة الولايات المتحدة رغم التصريح بأنهم سيستأنفون مقاومتهم “للاحتلال” إذا عادت القوات الأمريكية. وتشير هاتان الحالتان إلى أن طهران قد فهمت أن عليها فرض الانضباط على وكلائها، وقد نجحت في القيام بذلك، على الأقل حتى الآن.

اقرأ أيضاً: أبرز محطات التوتر بين أميركا وطهران خلال شهر

جون ميلر

في ضوء أنشطة إيران الشائنة في جميع أنحاء المنطقة، تنطوي حملة “الضغط الأقصى” التي تشنّها الإدارة الأمريكية على بعض الحسنات، لكن يتعين على واشنطن أيضاً توضيح هدفها النهائي ومنح الإيرانيين وسيلةً للتخفيف من سلوكهم [السيّئ]. إن التوترات مرتفعة الآن نتيجة هذه الحملة، لكنها كانت مرتفعةً سابقاً أيضاً. ويشير البعض إلى نشر مجموعة حاملة الطائرات الضاربة كدليل على تصعيد غير معتاد. غير أنه خلال العقد الماضي، تواجدت حاملة طائرات أمريكية في المنطقة بشكل شبه دائم. وعموماً، نجح الطرفان في إدارة التوترات لتجنب التصعيد، في سوابق تُعتبر مطَمْئنة. ومع ذلك، لم تنجح الولايات المتحدة في إقامة خطوط تواصل آمنة ومستدامة مع الإيرانيين.

 

واليوم، هذه القنوات ضعيفة بشكل مقلق، سواء على الصعيد الدبلوماسي أو مع القادة العسكريين الإيرانيين. يجب ألا تنساق واشنطن وراء رغبة في القضاء على التهديد الذي تشكله إيران. فرغم استمرار العقوبات بدرجات متفاوتة خلال الأربعين عاماً الماضية، حقق النظام الإيراني نجاحاً باهراً في بناء قدراته العسكرية بشكل مطرد. فقدراته البحرية كبيرة بشكل خاص، بما أن إيران تسيّر بفعالية دوريات في مضيق هرمز. وتمرّ كل سفينة أجنبية، سواء تجارية كانت أم عسكرية، بجانب سفن «الحرس الثوري الإسلامي» خلال إبحارها في مياه الخليج العربي. وفي بعض الأحيان، تقترب السفن الحربية التابعة لـ «الحرس الثوري» من السفن الأمريكية بطريقة عدائية على ما يبدو.

 

ويمكن لهذه الاحتكاكات أن تؤدي إلى حسابات خاطئة عندما يتعين على القادة العسكريين اتخاذ قرار بشأن كيفية الردّ، ومن شأن غياب قنوات تواصل فعالة أن يجعل من الصعب الحد من التصعيد بشكل فعال. ولا يزال احتمال اندلاع نزاع واسع النطاق مستبعداً نظراً إلى إحجام الطرفين عن التصعيد. ومع ذلك، قد يزيد الإيرانيون بشكل معقول من نشاطهم غير المتناظر لأنه من الصعب نَسْبْ هذه الأفعال إلى طهران.

باربارا ليف

يتطلب ردع الخصم بعض المكونات الأساسية، وهي: فهم نية العدو، وتقديم رسائل استراتيجية واضحة حول النوايا، وإبلاغه بالتجاوزات، وإثبات أنه بإمكان حشد القوة العسكرية بسرعة للرد على هذه التجاوزات. وينبع عدم فهم واشنطن الحالي لنوايا إيران من المنظومة السياسية الغامضة التي ينتهجها النظام ومقاربته إزاء أي مواجهة مع الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، ليس هناك أي اتصال مباشر بين الحكومتين تقريباً، وبدلاً من ذلك، تبعث كل منهما إلى الأخرى رسائل من خلال التصريحات العلنية، وعروض القوة العسكرية، وفي بعض الأحيان، تنفيذ أعمال سرية.

وعلى الرغم من أن المرشد الأعلى قد كرر عزوفه عن التورط في تصعيد يؤدي إلى الحرب، إلا أن إيران قد تقرر في النهاية أنه لا توجد خطوط حمراء فعلية تحدّ من تحركها العسكري. وفي المرحلة القادمة، من المحتمل أن يواصل النظام مقاربته الراهنة، وهي: تصوير الولايات المتحدة على أنها المحرض على التوترات، وممارسة الضغط على أوروبا لتقويض موقف واشنطن، والسعي لإثبات أن كل ما تفعله إدارة ترامب هو مجرد أقوال وليس أفعال، وتعزيز مشاعر العداء لأمريكا على المستوى المحلي.

إن العراق هو الخلفية الأكثر حساسيةً للتوترات بين الولايات المتحدة وإيران. فبإمكان طهران حشد عشرات الميليشيات هناك، تلك التي قاومت سيطرة الحكومة العراقية [عليها]، لذلك من المرجح أن تختبر إيران عزم الولايات المتحدة مرةً تلو الأخرى. أما بالنسبة لدول الخليج العربية، فباستثناء بعض الافتتاحيات الداعية إلى توجيه ضربات عسكرية دقيقة على إيران، كانت ردود الفعل على الأعمال التخريبية الأخيرة في السعودية والإمارات حذرةً للغاية، لا بل صامتة. وقد دعا السعوديون إلى عقد قمة طارئة، في حين لم تحدد الإمارات من هم المشتبه بهم في الاعتداء على السفن في الفجيرة.

(أعد هذا الملخص أرجان جانجي… تم تنفيذ سلسلة برامج منتدى السياسات بفضل سخاء “عائلة فلورنس وروبرت كوفمان”…

“في 24 أيار/مايو، خاطب مايكل آيزنشتات وجون ميلر وباربارا ليف منتدى سياسي في معهد واشنطن. وآيزنشتات هو زميل “كاهن” ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في المعهد. وميلر هو نائب أميرال متقاعد شغل سابقاً منصب قائد “القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية”. وليف هي زميلة أقدم في المعهد وسفيرة الولايات المتحدة السابقة في الإمارات. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”…)

السابق
«جماعة الإخوان المسلمين» تصدر بياناً حول قمم مكة الثلاث و«صفقة القرن»
التالي
صفقةٌ يمكن لترامب وخامنئي إبرامها