موازنة 2019: إنتصار من ورق وعجز يحتاج إلى معجزة!

احمد عياش

قبل أن يبدأ مجلس النواب مناقشة مشروع الموازنة الذي أفرّه مجلس الوزراء بعد عشرين جلسة، جاء رد الفعل المتحفظ من مؤسسات التصنيف الدولية بمثابة النعيّ لما سمته السلطة التنفيذية “إنتصارا”، تمثل بخفض عجز لبنان المالي في السنة الحالية، إلى 7.59 في المئة من الناتج ‏المحلي الإجمالي ،فيما قدّرته “ستاندارد آند بورز” بأنه سيكون بنحو عشرة في المئة.ولا يُستبعدُ، وفق ما كتب الدكتور غسان العياش في “النهار” أن يكون عجز السنة الجارية الحقيقي أكثر من 11 بالمئة. فعلام يدلّ هذا التناقض في هذه الارقام؟
بدا واضحا من الانتقادات التي صدرت في اليوميّن الماضيين عن بطليّ المواجهة في معظم جلسات مجلس الوزراء التي إنعقدت لإقرار مشروع الموازنة،وزير المال علي حسن خليل ووزير الخارجية جبران باسيل، ان الوزيريّن أعلنا بطريقة وأخرى براءتهما من “دم هذا الصدّيق” أي الموازنة بصيغتها النهائية.فقد كرر كلاهما تحفظاته على المشروع التي طرحاها في عز الجدل بينهما في الاسابيع الماضية.وتقول مصادر وزارية لـ”النهار” ان هذه التحفظات تعبّر في جوهرها عن الحرص على “الحفاظ على خطّ الرجعة”،إذا صحّ التعبير ، كي لا تحل الملامة على من يمدح المشروع اليوم ليظهر غدا انه كان مخطئا.

اقرأ أيضاً: ماذا لو فعلها أحدهم؟

لا يعوّل الخبراء كثيرا على ما ستنتجه مناقشات مجلس النواب في مشروع الحكومة. والسبب، وفق ما صرّحوا به لـ”النهار” ، ان البرلمان هو صورة مكبّرة لمجلس الوزراء الذي ظهر في عجز لافت عن إداء دوره في إعداد المشروع. وعدّد هؤلاء الملاحظات الجوهرية التي أوصلت لبنان الى الدوران في حلقة أزمته المفرغة التي بلغت ذروتها عام 2018:
– لم يكن وزير المال علي حسن خليل في أدائه طوال أسابيع مناقشة مشروع الموازنة ،وزيرا فعليا للمال.فهو، بدأ بمسودة مشروع ضمّنها أولا كل مطالبات الوزراء، وكأنه مارس دور “صندوق البريد” لينقل الى الموازنة ما يطلبه الوزراء ومرجعياتهم السياسية.وعندما تشجع يوما للحديث عن تقليص موازنة الجيش، عاد وتراجع عن إقتراحاته، ففقد موقعه كوزير للمال ، الذي يشتهر تقليديا بتزمته في الانفاق، وليس التساهل في فتح خزائن الدولة، كما ظهر الوزير خليل. وفي المعلومات، ان الاخير ،تكلم مرارا خلال الجلسات عن أرقام، كتعويضات التقاعد مثلا، ليدرج غيرها في نص المشروع، ما دعا الحكومة الى مطالبته تكرارا بتوضيح موقفه من الارقام في صورة نهائية.
-ما قام به وزير الخارجية جبران باسيل، عندما طرح ما أسماه أفكارا إصلاحية، هو تجميع ملاحظات طرحها زملاء له من خارج فريقه وصاغ منها ورقة واحدة.وبدا باسيل من خلال ما قام به، انه مارس دور وزير المال فعليا ،ما أثار حفيظة من شعروا بأنه حاز على نجومية من كيسهم، واول هؤلاء وزير المال.
-كان لافتا من فريق “حزب الله” الوزاري، الدور الذي مارسه وزير الشباب والرياضة محمد فنيش، فهو كان متابعا لمجريات المناقشة، سائلا عن نقاط ،ومعلّقا على نقاط، وصولا الى إعتبار ان الحد الادنى الذي يجب إعتماده لفرض الضريبة على الدخل في القطاع العام، هو أربعة ملايين ليرة.وكان هذا التقدير مثار تساؤل في اوساط الخبراء إنطلاقا من معرفتهم ان الحزب الذي ينتمي اليه فنيش، يدفع حاليا 400 دولار شهريا، أي 600 الف ليرة، وليس أربعة ملايين ليرة، لعنصره المتفرّغ.
-ووسط غياب لافت لدور وزراء كتل رئيسية عن ممارسة دور مؤثر في المناقشات ،ومن بين هؤلاء وزراء “المستقبل” و”القوات اللبنانية” والاشتراكي، كان مثيرا للشفقة ان الوزراء الجدد ،وهم الاكثرية الساحقة،يجهلون بديهيات المعرفة بالموازنة،ولم يجد بعضهم حرجا في السؤال علانية عن “الفرق ما بين الجزء الاول والجزء الثاني” في المشروع!ومن المعلوم، إلا عند هؤلاء الوزراء الجدد، أن الجزء الاول من الموازنة يتعلق بـ”النفقات العادية” كالمخصصات والرواتب والاجور. فيما يتعلّق الجزء الثاني بـ”نفقات التجهيز والإنشاء السنوية”.
-وإذا كان الخبراء قد وجدوا ان مجلس الوزراء غاب كليا عن البحث عن موارد فعلية لخفض العجز، لاحظوا ان تبني إقتراح وزيريّ الصناعة وائل ابو فاعور والاقتصاد والتجارة منصور بطيش، فرض رسم 2 في المئة على الاستيراد، كان بمثابة تورية لإجراء فرض رسم على القيمة المضافة ال TVA الذي تقترحه المراجع المالية الدولية. وقدّر الخبراء حجم هذا الرسم في مشروع الموازنة بنحو أربع نقاط زيادة فعلية على واقع القيمة المضافة حاليا والتي تبلغ 11 في المئة.
مكانك راوح، هو واقع أزمة لبنان المالية.لكن في إعتقاد مصادر وزارية، ان تجربة الحكومة مع مشروع موازنة السنة الحالية ، كانت بمثابة تشريح لواقع الدولة بالكامل.وترى هذه المصادر، ان العمل الحقيقي، سيبدا السنة المقبلة، عندما يكون للبنان موازنة 2020 تتضمن كامل نفقات الكهرباء التي توارت كليا عن مشروع السنة الحالية تحت ستار “سلفة”. وهكذا يستطيع المسؤولون القول السنة المقبلة، إذا ما فعلوا، انهم حلوا معضلة ملياريّ دولار سنويا تذهب لهذا القطاع ولا تعود مجددا الى الخزينة العامة.
بإنتظار السنة المقبلة، ما بين إيدينا حاليا، هو “إنتصار من ورق” على نسق “نمر من ورق”. أما العجز الذي تفاخر فيه الحكومة، فيحتاج الى معجزة ليكون فعليا دون ال 8 في المئة وهو ليس كذلك!

السابق
روحاني.. مهندس الوهم الإيراني الذي فقد ابتسامته
التالي
«حزب الله» مرن مع «وساطة ساترفيلد»…