عندما ينقلب ترامب على بولتن

حسن فحص

عندما اعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب يوم الجمعة 23 مارس/ آذار 2018 قراره بتعيين جون بولتون في منصب مستشار الامن القومي، كانت معظم التعليقات والتفسيرات لهذا القرار ان هذا القرار يصب في اطار استكمال الرئيس لفريق الحرب ضد النظام الايراني، وان المرحلة المقبلة في ظل هذا التعيين سيشهد مزيدا من التصعيد الاميركي في ملفات الشرق الاوسط، خاصة وان التعيين جاء بعد عشرة ايام فقط من قرار ترامب بترشيح رئيس جهاز المخابرات المركزية CIA مايك بومبيو لتولي وزارة الخارجية خلفا للوزير ريكس تيلرسون، لاحقا اقر الكونغرس هذا التعيين في جلسته يوم 26 ابريل/ نيسان 2018.

ايران لم تخرج عن هذه التقديرات اذ اعتبر حينها المتحدث باسم لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان حسين نجفي حسيني ان تعيين بولتون وبومبيو “يثبت ان الهدف النهائي للولايات المتحدة هو الاطاحة بالجمهورية الاسلامية”.

الخشية الايرانية من عودة بولتون الى دائرة صنع القرار الاميركي مردها الى الخطاب الذي القاه هذا الرجل خلال الاحتفال السنوي الذي اقامته منظمة مجاهدي خلق في احدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس مطلع تموز/ يوليو 2017 وشارك فيه بولتون متحدثا بانه “يستطيع التأكيد ان في الولايات المتحدة رئيسا هو معارض تماما للنظام الايراني ويعارض الاتفاق النووي معه”.

اقرأ أيضاً: روحاني.. مهندس الوهم الإيراني الذي فقد ابتسامته

يومها اطلق بولتون وعوده بشكل واضح للمعارضة الايرانية، بناء على موقفه السلبي من النظام الايراني مؤكدا ان “تصرفات هذا النظام لن تتغير، وان الطريق الوحيدة هي تغيير النظام، نحن سنحتفل بانتصاركم قريبا في طهران”.

مع دخول بولتون الى فريق البيت الابيض، بدأ ترامب بترجمة موقفه المعارض للاتفاق النووي مع ايران الى خطوات عملية مستندا الى ما وفره بولتون وبومبيو من ارضية للذهاب بهذا التصعيد الى مستويات غير مسبوقة، فاعاد وضع مشروع تغيير النظام على طاولة الاهداف الاميركية حول ايران والذي سبق ان تم التوافق بين طهران وواشنطن ايام رئاسة باراك اوباما على اسقاطه من التداول بعد ان وضعته طهران كأحد شروط جلوسها الى طاولة المفاوضات.

استراتيجية ترامب حول ايران التي اعلنها في 13 اكتوبر 2017، عاد وترجمها وزير الخارجية بومبيو في 21 مايو 2018 في 12 شرطاً، استتبعها ترامب باعلان الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض حزمة من العقوبات ضد ايران هي الاقسى والاشد وغير المسبوقة لاجبارها على القبول بشروط بومبيو، وهي شروط اذا وافقت ايران على تنفيذها سيعني كمن يطلق النار على نفسه او تنفيذ الوعد الاميركي بتغيير النظام لانها شروط تعني استحالة النظام القائم الى نظام جديد جذريا لا طعم ولا لون له وحتى لا داعي لبقائه.

الانقلاب والعودة الى المسار الاوبامي

حديث الرئيس الاميركي في المؤتمر الصحافي مع رئيس وزراء اليابان سينزو آبي في طوكيو، شكل انقلابا على كل المواقف التي اعلنها البيت الابيض على المدى السنتين الماضيتين، فقد وجه رسائل واضحة تكشف عن تراجع في مواقف ادارته من النظام الايراني، وتعترف بشرعيته التي سبق ان انتزعها ترامب وفريقه على طريق تغييره، معلنا استعداده ليس فقط للتعاون مع هذا النظام، بل مع قيادته الحالية والموجودة “لانها قيادة قادرة على ادارة ايران، وانا لا اريد تغيير النظام”.

واذا كانت من المفترض ان تشكل مواقف ترامب الجديدة “كلمة السر” التي تنتظرها طهران للتجاوب مع الدعوة لبدء حوار مباشر بينها وبين واشنطن، فان الخطوات التي اعلنها الرئيس الاميركي من وجهة نظر النظام ليست كافية وغير مطمئنة، لان ما ترغب به هو الحصول على موقف من العقوبات التي بدأت تتحول الى عبء يقارب الكابوس للنظام في الداخل وتهدد امكانية ادارته لازمة التي يمر بها في مواجهة التصعيد العسكري. انطلاقا من اعتقاد لا تخفيه الادارة الايرانية بان الهدف الاميركي للاطاحة بالنظام مازال قائما وموجودا على طاولة الاهداف، الا ان العمل على تنفيذه لا يمر عبر البوابة العسكرية، بل من خلال اسقاط النظام من الداخل عبر تشديد الازمة الاقتصادية جراء العقوبات الخانقة المفروضة.

وعلى الرغم من ان ترامب وخلال دقائق معدودة نسف كل الاستراتيجية التي عمل بولتون وبومبيو على بنائها خلال سنة من وجودهما في الادارة، فحملت رسالته السياسية والاقتصادية لايران تأكيدا بان واشنطن

لا تريد اسقاط النظام الايراني وتغييره.

وتريد التفاوض مع قيادة هذا النظام.

ترى امكانية التعاون الاقتصادي واستغلال فرص الاستثمارات التي تتيحها فرصة التفاهم.

تنظر الى الشعب الايراني بأنه عظيم ولديه مقدرات كبيرة اقتصادية.

لا تريد ايران دولة تمتلك السلاح النووي.

تريد التفاهم حول الدور الاقليمي وانهاء التهديد الايراني لاستقرار المنطقة.

الا انه لم يتراجع عن موضوع العقوبات وقرار الانسحاب من الاتفاق النووي، لاعتقاده بان العقوبات ستجبر ايران على قبول الجلوس الى طاولة المفاوضات والتوصل الى اتفاق جديد سياسي – امني – عسكري – اقتصادي، يشمل ايضا برنامجها الصاورخي. لكنه في الوقت نفسه، اطلق رصاصة الرحمة على الآمال التي عقدها بولتون في الموضوع الايراني والتي وجد الفرصة سانحة لتنفيذها مع توليه منصب مستشار الامن القومي، وان يحطم النظام الذي استطاع افشال كل سياساته في الشرق الاوسط منذ كان مندوبا للولايات المتحدة في الامم المتحدة ومجلس الامن وتجربة ما بعد حرب تموز/ يوليو 2006 في لبنان. عندما دفع القوى المعارضة لحزب الله في لبنان الى حافة مواجهة انتهت بخيبة امل كبيرة من موقف واشنطن، وتعزيز دور ايران وحليفها حزب الله على حساب الاخرين.

السابق
خامنئي: لا تفاوض بشأن قدراتنا العسكرية لأن ذلك يعني التنازل للأميركيين
التالي
أمريكا تنقل معتقلين يشتبه في انتمائهم لداعش من سوريا إلى العراق