مبادرات شبابية لمحاربة الفقر.. تعويضاً عن غياب المؤسسات الإجتماعية؟

الجمعيات الخيرية
بعد خفض ميزانية وزارة الشؤون الإجتماعية وتقليص حجم المساعدات للعوائل الأكثر فقرا في لبنان، إضافة الى خفض حجم التقديمات للمؤسسات الإجتماعية الخيرية بعد أزمة حزب الله المالية والشيعة من ورائهم، ظهر الى العلن نوع من تحركات إجتماعية صغيرة بهدف التعويض عن هذا النقص والغياب احيانا.

شاب في نهاية الإربعينيات من عمره يعمل في مجال البناء وهو أب لخمسة أولاد ويقطن في منزل مؤجر، كل ثلاث سنوات يرفع صاحب البيت بدل الإيجار بحسب القانون، تحت طائلة ترك المنزل. لكنه يعمل لأيام معدودة في الاسبوع مما يوقعه في حالة استدانة مستمرة، ومثله كثيرون.

ومثل هذا الشاب وهو رب لعائلة كبيرة، هناك كثيرون منتشرون في كافة أنحاء لبنان من أقصى عكار الى أقصى الجنوب.

عمل فردي

من جهة ثانية لا تزال رئيسات الجمعيات الخيرية الفخريات يقمن مآدبهن الرمضانية وغير الرمضانية بشكل يشبه الاستعراض والفلوكلور. ولا زالت الجمعيات الخيرية تكدّس الأموال باسم الفقراء والمَعوزين في ميزانياتها.

هذا الخلل دفع عدد من الجيل الشاب إلى اجتراح حلّ المبادرات الفردية نظرا لسوء الوضع الإقتصادي في لبنان.

فالطالبة الجامعية(ف.ف) وصديقتها (هـ.ش) وجدتا حلاّ جزئيا لمشكلة الفقراء المستورين، من خلال تأليف لجنة “أثر” وهي لجنة صغيرة محدودة العدد ومحصورة بشابات جامعيات فقط تحت عنوان إيماني يحضّ على كسب الأجر.

فيعمدن هؤلاء الجامعيات الى بث رسالة خطية الى معارفهن عبر الواتسآب يحددن فيها إسم النشاط والمكان ونسبة التبرعات من طعام أو مال بهدف اقامة مآدب طعام في هذا الحيّ أو ذاك من أحياء الضاحية الجنوبية، وبئر حسن، وصبرا، وإطعام أهل الحيّ مع توزيع الطعام الباقي على السكان بطريقة تحترم الفقير ولا تذّله على طريقة بعض البلديات مؤخرا.

اقرأ أيضاً: الجمعيات الخيرية في لبنان تتكاثر… والفقراء 43%!

وقد حددت لجنة الجامعيات مبلغ عشرة دولارات لمن يود التبرع المالي، او التبّرع العيني. ولم تنس لجنة “أثر” الأطفال فخصصت لهم الألعاب والهدايا المحرومين منها.

عمل هؤلاء الشابات هو عمل إنساني بحت بهدف الاكتفاء والاشباع وعدم بذل ماء وجه هذه العوائل المستورة والتي غالبا ما تمتنع الجمعيات الخيرية عن مساعدتها.

علما ان عددا كبيرا من الناشطين الفرديين ساروا على هذا النهج منذ فترة طويلة، ويلقى عملهم الإنساني صدى مهما”، خاصة انهم يركزون على المساعدت الطبية والصحية نظرا لغلاء الطبابة في لبنان.

وقد اعتمد بعض الشباب الفلسطيني هذه الوسيلة الإفتراضية لمساعدة العوائل في مخيمات لبنان، حيث لقيت احدى المبادرات تضامنا كبيرا شهد له الإعلام حيث تم جمع مبلغ ضخم جدا لشاب أجرى عملية قلب في احدى مستشفيات صيدا وتميزت المشاركة أنها أتت من كافة مخيمات لبنان. رغم حالات الفقر المدقع في المخيمات اللبنانية بسبب الحصار الأممي عليهم في السنوات الأخيرة وتقليص حجم ميزانية الأونروا.

كلها تجارب فردية تحاول تعويض غياب المؤسسات الحكوميّة التي مطلوب منها الإهتمام بالمواطنين على اختلاف حاجاتهم الصحيّة والاجتماعيّة. من هنا يؤكد المجتمع اللبناني أنه مجتمع متكافل متضامن، وأن ثمة ميلاً إلى الإنحياز لدى الإنسان، وأن ثمة سلوكيات متأصلة في البشر ومرتبطة بطبيعتهم.

فالنجاح في المرحلة الأولى دفع الكثيرين للإستمرار في مساعدة الحالات المستعصية. واللافت هو ان استخدام وسائل التواصل الإجتماعي جاء مفيدا هذه المرة على عكس ما يجري.

وتُعتبر هذه المنافسة منافسة مشروعة، طالما الهدف إنساني مقبول. في ظل تكبيل كل من وزارتي الصحة والشؤون الإجتماعية يديهما وتقفان عاجزتين متفرجتين على الحالات المستعصيّة بحجة عدم وجود موازنة كافية، علما أن العجز والهدر في الموازنة العامة في لبنان وصل الى 100 مليار دولار لعام 2019.

اقرأ أيضاً: الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني في صيدا: أسئلة ونقاشات حول الجدوى والتمويل والديمقراطية

ومن الملاحظ ان عددا كبيرا من المواطنين يتواصلون مع المغتربين فيجمعون الأموال والصدقات ويعمدون إلى إعداد كميات كبيرة من الحصص التموينية للفقراء في المناطق المذكورة سابقا، لتوزع عليهم وخاصة في شهر رمضان.

ففي هذا الشهر تشعر بحركة توزيع معونات تموينية للعوائل الفقيرة والمُعدمة بشكل كبير، وما يؤكد هذا الكلام هو حجم عمل المستودعات الكبيرة التي تعمد الى تعبئة هذه المعونات لمن يطلبها والتي تشمل معظم الأصناف الغذائية للعوائل الفقيرة.

وأخيرا، لا بد من الإشارة الى اللجان الاجتماعية الحزبيّة كمائدة الامام زين العابدين وغيرها والتي تستمر في تلقيّ التبرعات يوميا لتوزع التموين لعوائل “المائدة”. او من خلال الحصالات التي تجمع المال والتي غالبا ما يذهب مردودها الى جيوب العاملين في هذه الجمعيات والى المندوبين الذين يعملون كموظفين وليس كمتطوعين، على العكس من عمل اللجان الفردية، خاصة ان المبادرات الفردية تنطلق من تطوع شخصي.

هذا هو حال اللبنانيين الفقراء هذه الأيام العصيبة، حيث باتوا ينتظرون سيارة تحمل “كرتونة الإعاشة” التي تخفف عنهم المصاريف الشهرية نوعا ما.

السابق
بو صعب زار المحكمة العسكرية: لا عفو عمن قتل جنود الجيش وفجر السيارات المفخخة بالمدنيين
التالي
مسؤولون في لبنان يبلغون «إسرائيل» بلادهم لن تكون قاعدة لرد إيراني