لم تكن مجرد ثورة

الثورة السورية
لم تكن مجرد ثورة تلك التي أعادت تأهيلي من جديد وحوّلتني من إمرأة مؤدلجة فكريا إلى امراة أخرى تماما

لم تكن مجرد ثورة ، كانت دمنا المعروض للفرجة على شاشات التلفزة العالمية وبين أروقة مجلس الأمن،
كانت لحمنا الذي تحوّل بين ثورة وضحاها، لوجبات سريعه تتسابق عليها أسماك القرش، ونحن نعبر إلى هناك، إلى تلك البلاد التي تدلل كلابها وتمنحهم جوازات سفر..
كانت أحذيتنا التي ظلّت وحدها تنتظر عند تلك الشواطئ، على أمل أن يعود أصحابها من الغرق سالمين،
كانت مقابرنا الجماعية التي ابتلعتنا على دفعات وفي وضح النهار، وكأننا لسنا أبناء هذا الوطن وكأنه لم ينجبنا من صلبه..
لم تكن مجرد ثورة، كانت زنازين أسدية، ووجوهاً أخرى للموت لم نكن نعرفها من قبل، وحياة لا مكان فيها للحياة. .

كانت أطرافاً مبتورة، واطرافاً متناحرة وأنقاض تحتها أنقاض من لحم ودم، وفوقهما أوغاد من المحتلين..
كانت حمزة، وعبد القادر الصالح، وهاجر، ومهجّرين ومهاجرين جاءوا ليتطاولوا بلحاهم على هذا الدين بأسمائهم المستعارة ، فاطميون وزينبيون ودواعش، أحدهم يقتل بإسم الله واخر بإسم علي والحسين
لم تكن مجرد ثورة، كانت جثثنا وهي تتطاير في حقول تجاربهم ، وحناجرنا التي اقتلعوها خوفا من صراخنا الذي ازعج العالم، وشهدائنا الذين حطّموا الأرقام القياسية بدمائهم الصافية. .

كانت جغرافيتنا التي فتحت مصراعيها لكل المحتلين، وتاريخنا الذي فقد صلاحيته بعدما افقدناه هيبته، وحدودنا التي باعت أرواحنا لقطّاع الطرق في السوق السوداء، وجبهاتنا المغلقة حتى إشعار أخر..المفتوحة حسب الطلب. .
كانت خيامنا العارية مثلنا، وراياتنا التي تُدار من الخارج، ورصاصنا المشبوه..
كانت أصدقاءنا الذين تقمّصوا دور الكلب الوفي، وأعداءنا الذين كانوا أرحم من أخرين غيرهم، وأشقّاء يتاجرون بشقاءنا، ويدّعون النأي بالنفس..
كانت جنائزنا اليومية، وأخبارنا العاجلة ونحن نلتقط صور لنوّثق بها موتنا وحصارنا، وما تبقى من صمودنا.
كانت سماءنا المزدحمة ببراميل الموت، وأرضنا التي تستنشق غاز السارين بدم بارد..

لم تكن مجرد ثورة ، كانت اكثر من هذا بكثير،
كانت أعظم عملية جراحية لهذا العصر، لإستئصال ورمين خبيثين، رافقانا لأكثر من خمسين عاماً
ورم إسمه الخوف، وأخر إسمه ألّ الأسد.

#ثورتي

السابق
حداد اتصل بجنبلاط وأبو فاعور شاكراً إلغاء رخصة مصنع الأسمنت في عين دارة
التالي
مسؤول امني حزبي في «حبيش» وضغوط لم تفلح في لفلفة جريمة تهريب الكبتاغون