خمسة أهداف لزيارة بومبيو إلى بيروت

نظريات المؤامرة التي تحوم في بيروت حول زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الأولى للبنان نهاية الأسبوع، تجعلك تعتقد أن السياسة والساسة اللبنانيين هم الشغل الشاغل في صنع الاستراتيجيات الدولية، وأن أصحاب القرار في واشنطن ينامون ويستيقظون على خطط نفط وغاز غير مستكشف وقاعدة جوية أميركية لا وجود لها في مطار حامات.

خطاب المؤامرات والتهويل بمشاريع أميركية تحاك للبنان تعكس تسخيفاً للعلاقة اللبنانية ـ الأميركية، وتحوير مقصود لهدف الزيارة لتضليل الرأي العام واللعب على وتر “الوطنجية” من أشخاص بنوا ثرواتهم ومناصبهم على حساب المصلحة الوطنية.

طبعاً، زيارة بومبيو تحظى بأهمية سياسية واقتصادية واستراتيجية، كونها الأولى له لبيروت وبتوقيت مثير بعد ستة أسابيع على تشكيل الحكومة اللبنانية. إنما تعكس بالدرجة الأولى واقعية أميركية في التعاطي مع الملف اللبناني، وإقرار بمحدودية الدور الأميركي لتغيير التوازن الداخلي، مع اكتشاف إمكانية إيذاء حزب الله وحشره بالورقة الاقتصادية. من هنا يمكن الحديث عن خمسة أهداف للزيارة.

أولاً، تأكيد الحضور الأميركي على الساحة اللبنانية واستمرارية الدور في دعم المؤسسات والجيش (70 مليون دولار سنويا)، الذي بدأه جورج بوش الابن واستكمله باراك أوباما، ولم يحيد عنه دونالد ترامب رغم الكلام عن أنه ينوي قطع المساعدات وأن الادارة ترى أن لبنان في قبضة حزب الله. بومبيو أقر بأن نفوذ حزب الله تزايد في السنوات الأخيرة لكن ذلك لا يعني انسحاب واشنطن من المعترك اللبناني، لا بل هناك اندفاعة من قبل إدارة ترامب وعبر أطراف إقليمية لزيادة الحضور والدعم في بيروت والانخراط مع جميع الأطراف السياسيين عدا عن حزب الله. فاللقاءات الأربعة لبومبيو مع عون والحريري وبري وباسيل، تعكس هذا التوجه.

اقرأ أيضاً: الكونغرس الأميركي يعدّ عقوبات جديدة على «حزب الله»

ثانياً، ستلوح الزيارة بعصا العقوبات ضد أي آلية لتمويل حزب الله سواء جاءت من داخل الحكومة اللبنانية أو خارجها عبر المصارف أو أثرياء يساعدون الحزب. فواشنطن تدرك اليوم أنها لا تملك عصا سحرية لاحتواء حزب الله إقليميا وأن سلاح العقوبات هو الأقوى والأضمن لديها في هذه الاستراتيجية وهي لن تستثني أي طرف فيها. هذه الرسالة أوصلها مساعدو بومبيو الضالعين بالملف اللبناني، أي ديفيد ساترفيلد وديفيد هايل خلال زياراتهم المتكررة. هناك أيضا مخاوف أميركية على استقرار لبنان والجبهة الحدودية مع اسرائيل التي تحاول الإدارة خفض التوتر فيها ونقل هايل هذه المخاوف خلال اجتماعاته.

ثالثاً، عاد ملف النفط والغاز، الذي سعت واشنطن لسنوات لتحريكه، إلى الواجهة مع تشكيل الحكومة الجديدة، وتقاطع مصالح معظم أطرافها بإحداث تقدم على هذا الصعيد. لكن المبالغة في مردودات هذا الملف وأهميته تضر لبنان وتزيد من التعقيدات السياسية لحل الملف. فالنفط والغاز لم يتم استكشافهما بعد وليس هناك ضمان باستخراجهما، وفي حال استكشافهما القطار اللبناني تأخر بسنوات وبات شبه عاجز عن اللحاق بمنافسين محتملين في الشرق الأوسط من بينهم إسرائيل ومصر وتركيا أو في المتوسط مثل قبرص واليونان.

رابعاً، هناك الصورة الدولية والإقليمية التي تريد واشنطن ترسيخها في لبنان عبر زيارة بومبيو. دوليا، المنافسة الأميركية موجودة مع روسيا التي سيتوجه إليها الرئيس اللبناني في زيارة أولى له لموسكو الأسبوع المقبل. أما إقليميا فتريد واشنطن صبّ الاهتمام على الملف اللبناني لجهة تكثيف جهود حلفائها الخليجيين وانخراطهم في لبنان لاحتواء دور إيران. ظاهريا، هذا الهدف يبقى صعب المنال لواشنطن، نظرا لتراجع نفوذها ومحدودية أوراق حلفائها في الداخل اللبناني.

خامساً، سيكون الملف السوري حاضرا في اجتماعات بومبيو الذي سيكرر أمام نظرائه اللبنانيين ما قاله لأطراف عربية أخرى عن أن واشنطن لا تشجع الانفتاح على نظام الأسد، ومستعدة للدعم في ملف اللاجئين إنما ضمن آلية دولية وليس عبر النظام وحزب الله. كما قد يكرر بومبيو مطلب السلطات الألمانية بتسليم قائد الطيران الجوي السوري جميل الحسن، الذي يتلقى العلاج في مستشفى لبناني ومطلوب في ألمانيا لاقترافه جرائم حرب.

زيارة بومبيو فيها من الواقعية السياسية ما يكفي لترغيب لبنان بتحفيزات في ملفات المساعدات الأمنية والتنقيب البحري عن الغاز، ولترهيب السلطات أيضا بعصا العقوبات للتضييق على حزب الله. نجاحها سيعتمد على معطيات خارج لبنان ومدى الدعم الإقليمي والدولي الذي تسعى باتجاهه واشنطن في حشر إيران، واستمرار عزل الأسد، واحتواء روسيا وفعالية العقوبات.

السابق
الملك السعودي يمنح ولي عهده مهام جديدة ويطلق اسمه على الطريق الرئيسي في العاصمة
التالي
«المملكة العربية السعودية» تفتتح أول معرض للطيران!