موت الجمهوريّة الثانية … وإعدام الطّائف!

 

ماتت الجمهوريّة الثانية في لبنان. لم يعُد بالمستطاع إنقاذها. منذ اغتيال الرئيس الشهيد رينيه معوّض أُعدِم الطّائف. ومنذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم يأخُذ أحدٌ على عاتقه محاولة تطبيق الدستور سوى بالشعارات. اغتيال القيادات السياسية، وإنهاك مسار التحرُّر في موازاة التحرير أفضى الى غالبٍ ومغلوب. الحديث عن توازنٍ من داخل المؤسّسات الدستورية، أو اعتراضٍ لتأمين مواجهة من خارجها، أثبتا فشلاً ذريعاً، بل انهياراً بنيويّاً.

أيّ انهيارٍ بنيويّ يمكن أن يُشكّل فرصة لبناءٍ جديد، لكن حتماً ليس لتصويب مسار. اقر هيغل بأن تغرُّب الذات عن ذاتها كفيلٌ باكتشاف ذاتيّات جديدة اكثر قُدرة على قيام مصالحة مع صيرورةِ التاريخ، بما في ذلك التفجّر بين تناقضاتٍ يمكن أن تتلاقى شظاياها على خيرٍ أسمى، ولو فَرَضَ عليها البعض الاستِنقاع في خَواءٍ مدمّر لحقبة يسيرةٍ أو مُزمنة.

هذا الإقرار المستنِد الى تجارب تاريخيّة في ألمانيا أو سنغافورة، أو كوريا الجنوبية، أو الإمارات العربية المتحدة، أو الصين، لا يعني أبداً بأيّ حالٍ من الأحوال إمكانَ نهوضٍ للحُكم اللبناني من مستنقع يبدو أنهم قانعون به على قاعدة تأبيد مأساةِ المشتركات التي تحدَّث عنها غاريت هاردن في مقاربة اقتصادية رؤيوية. وقرار تأبيد مأساة المشتركات قائمٌ على منظومة تبادل مصالح لنظامٍ زبائني كثيف يجمع بين الديكتاتورية والثيوقراطية، ولا يفيد الصراخ لنفي ذلك.

الديكتاتورية والثيوقراطية لا علاقة لهما بالنظام الطائفي بتاتاً، بل بأركانٍ يتلطّون بالنظام الطائفي لتحرير خياراتهم فيصادرون عقول الناس بالتّذاكي السياسي، ويستبيحون الدولة – المؤسسة، ويخوِّنون دستور الشراكة، وفي كل هذا معضلاتٌ لا أُفق لمداواتها.

1- التذاكي السياسي

قَتلُ معاني الدستور، والنأي بالنفس، ومكافحة الفساد قمةٌ في التذاكي بحيث لا يعود لهذه المصطلحات على سبيل المثال لا الحصر أي مرجعيّة علميّة، أو قدرة تأثيرية على استقطاب الرأي العام في ما عدا استثارة القواعد الشعبية لصَونِ مكتسبات هذا أو ذاك في قناعةٍ بأن هذه المكتسبات خيرٌ عام. النموذج الأبهى طاولة الحوار الوطني، التي كانت نيّات مطلقيها نقيّة، لكن لنعُد الى مضامين قراراتها، وانسيابات تنفيذها. لعنةُ التذاكي السياسي احترفها الحُكم لكن خواتيمها كارثية.

2- استباحة الدولة – المؤسّسة

ليس دمار الإدارة نتاج تدخُّل الحُكم فيها قسراً. غياب مناعة المؤتمنين على الإدارة أنكى من هذا التدخّل. التذرّع بصمتٍ دهري آن أوان إنهائه في لحظةٍ ملتبسة يستدعي عميق حَذَرٍ وكثافة تفكير. فالشأن العام إن ارتبط بمرجعيّة أخلاقيّة من أولئك الذين صمّموا على الدُّخول اليه، يفترض استقالةٍ فورية أو تجرّؤاً فوريّاً على الاستباحة، بدل اتّخاذ قرارٍ بالبقاء دون إمكانيّة مواجهة. تراكُم الاستباحة مسؤولية تقاعس التقنيّين عن المواجهة. الانتفاضة المتأخرة، ولو أساسية لكنّها تحمِل تأويلات.

3- تجويف دستور الشراكة

التنوّع غنى وعندنا نقمة. الشراكة في تطبيق الدستور ليست تقاسم سُلطة. هي مساحة تفاعل ديونتولوجيّة كما يحدّد يورغن هابرماس. والشراكة الدستورية لا تستقيم سوى في سُلَّمِ قِيَمٍ قبل المصالح المشتركة.

وفي هذه النديّة في المواطنة تُنجِز دولةً بأُفُقٍ قومي متماسك. في زمن الأقوياء عندنا (كما يسمّون أنفسهم دون تحديد مفهوم القوّة)، في هذا الزمن رداءةُ وتفاهة، وتدمير منهجيّ. دستور الشراكة عندنا كتابٌ أسوَد.

 

السابق
محامون يرفعون أول قضيتين لجرائم حرب محتملة ضد الرئيس بشار الأسد
التالي
سلاح الجو اللبناني: شانتال وريتا تقودان الطائرات.. ومنار تفوّقت على الرجال!