حين تعبث السياسة بالدراما… من هو الخاسر الأكبر؟!

قناديل العشاق
تزامناً مع التقلبات التي تشهدها المنطقة العربية من صعود تيارات إسلامية وتراجع أخرى، يبدو أن الفنون البصرية من سينما ودراما تعود للعب دورها في التأثير السياسي والاجتماعي، عبر إيهام الحكومات للشعوب أن ما يقدّم على الشاشة من دراما تاريخية أو توثيقية هو سرد صرف لما جرى من أحداث على الأرض، لكنّ الوعي المتزايد للشعوب العربية عن مسؤولية أنظمتها بالنسبة لكل ما يجري من تردِّ عام، يكشف عن كثافة الرسائل المبطنّة في قلب الأعمال الدرامية.

سبق أن عمل النظام السوري عبر مسلسل “باب الحارة” على حشو الأجزاء السابقة برسائل سياسية للقاصي والداني، كانت وجهة النظر فيها موجهة نحو الوجود العثماني في المشرق عن طريق تبجيل شخصية القائمقام التركي كبطل شعبي كما في مسلسل “أهل الراية” انعكاسا حينها للعلاقات الوطيدة مع تركيا، ثم استعراضه لاحقا بشكل مناقض كمستبد ظالم، كما في مسلسل “قناديل العشاق” في أوج الخلافات السياسية بين الأسد وأردوغان.

وقد خلق ظهور “داعش” بالمقابل على الساحة السورية ملعباً لعشرات المسلسلات والأفلام التي عملت على تصوير التنظيم الارهابي بالشكل الشرير كما تريد، في ظل تغييب كشف الاسرار الحقيقية لنشأة “داعش” وادارته التنظيمية وتاريخ قياداته، فدأب النظام في دمشق على تقديم أفلام سينمائية تصوّر الحياة قبيل الثورة داخل سوريا على هيئة نعيم هانئ جاءت داعش لتعكر صفوه وتغتال روح الوطنية فيه.

اقرأ أيضاً: سوس الفساد ينخر «باب الحارة» ويحوّله الى «باب الصالحية»!

وجهة نظر تقاسمها كثر وأُسقطت حتى على الفيلم السوري “عن الآباء والأبناء” الذي وصل للأوسكار مؤخراً واتهّم مخرجه طلال ديركي من قبل عدد من النقاد بعدم موضوعيته في تصوير الحراك السوري وتصوير نموذج العائلة المتطرفة على أنّه نموذج قابل للتعميم على ناشطي الثورة في سوريا عبر معايشته عائلة متطرفة على مدى عامين.

في مصر، تدخلت السياسة أيضاً في المحتوى الفني السينمائي والدرامي وحملت في بعضها رسائل سياسية بدت غير منسجمة مع السياق للعام الأحداث، كما في مسلسل “أهو ده اللي صار” المليء بحوارات درامية تحاول إسقاط أحداث مصر قبل مائة عام على اليوم مع اختلاف الأزمنة ونظرة الجمهور المصري للحركة الناصرية أو للإخوان أو للوحدة مع سوريا.

اقرأ أيضاً: الإعلام السوري خارج الواقع مجدداً

وبعد إنجاز مسلسلات “الإمام” و”المهلب” و”سمرقند” في العامين الماضيين ومحاولة رصد فترة حساسة من التاريخ الإسلامي التي نشأت فيها المذاهب الإسلامية، فان الجمهور اليوم موعد مع مسلسلين تاريخيين لرمضان القادم عن الفكر الصوفي أولهما “مقامات العشق” عن سيرة محيي الدين ابن عربي، وثانيهما “الحلاج” عن فكر وسيرة المتصوف الشهير الحسين بن منصور الحلاج. ومع اختلاف البلاد التي نشأ وترعرع فيها الاثنان لكنهما يشكلان تاريخا أعلام الفكر المتصوف، وهذا يشير إلى انتظار كم من الرسائل السياسية والاجتماعية الموجهّة من قبل العملين.

هي السياسة فن الممكن، تدخل عالم الفن فلا تغيّر في إدراته فحسب، بل تدخل في صلبه، لتحرّكه كما تريد، فبين وجهة نظر فردية للعمل الفني، وبين رؤية جماعية لحكومة أو جماعة دينية، يحتاج الجمهور للمتابعة بوعي أكبر ليستقبل الرسائل ويحللها، ويدرك أن خلف الإبهار المقدم على الشاشات تيارات فكرية سياسية تحاول استقطابه لدائرة مصالحها.

السابق
بعد إعادته الطيار الهندي.. ترشيح عمران خان لنوبل للسلام
التالي
الحسن: لا نود الدخول بأي نوع من التعاطي الرسمي مع النظام السوري، قبل التوصل إلى حل سياسي