الإعلام السوري خارج الواقع مجدداً

الاعلام
يبدو أن الإعلام السوري لم يخرج بعد من دائرة الإقصاء التي واجه فيها الشعب مدة عقود من الزمن، فكما لا ذكر لأحداث حماة في كافة شرائط هذا الإعلام، فإنه لا اعتراف منه بحالة الانتفاضة التي شهدتها الشوارع السورية من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال على مدى السنوات الثمانية الماضية.

وبما أن الحديث عن أخطاء النظام لا تنتهي، يظهر اليوم بثوب النكران لكل من لا يطبّل له، فاعتراف النظام بأي موهبة لشخص ما أو إنجاز له يشترط اعتراف صاحبه بولائه للقيادة متمثلة بالتهليل للأسد ومن حوله.

قبل يومين كانت أنظار العالم متجهة نحو حفل الأوسكار لجوائز أكاديمية السينما الأميركية، انشغل الجمهور العربي بالحفل أكثر من العادة، لأن فيلمين عربيين على قائمة الأفلام المرشحة وهما بشكل أو بآخر يتقاطعان مع المأساة السورية، والأكثر دهشة أن أحد

الفيلمين وهو “عن الآباء والأبناء” ذو صبغة سورية من ناحية الإخراج والشراكة في الإنتاج بتوقيع المخرج طلال ديركي.

اقرأ أيضاً: الإعلام السوري: أخطاء قاتلة في تغطية الموت

الفيلم الذي خاض غمار العالم ليشارك في أكثر من 120 مهرجان دولي وينال أكثر من 40 تكريم عالمي ويعرض عربياً في مهرجان الجونة السينمائي وينال في مهرجان ساندانس الأميركي جائزة لجنة التحكيم عام 2018، يروي حكاية طفلين “أيمن” و”أسامة” اللذان نشأ في كنف أسرة ربّها يحلم بإقامة خلافة إسلامية، وهكذا انطلق الفيلم من خلال إقامة المخرج وسط عائلة إسلامية متشددة والتركيز على تفاصيل حياتها اليومية لمدة عامين، لتنقل العدسة صورة نادرة عن معنى أن تنشأ في كنف والد حلمه الأكبر هو عودة الخلافة الإسلامية.

وصل الفيلم إذاً إلى الأوسكار وترشح مع أربعة أفلام عالمية أخرى عن فئة أفضل فيلم وثائقي عالمي، في حين كان فيلم “كفرناحوم” مرشحاً عن فئة أفضل فيلم غربي للمخرجة اللبنانية نادين لبكي. الفيلم الذي أنتج وصوّر في لبنان روى قصة “زين” الطفل السوري اللاجئ في بيروت، ورغم تصوير زين خلال الفيلم كطفل لعائلة لبنانية غير مسجلّة في الوثائق الرسمية، إلا أن زين استطاع نقل جراح الأطفال اللاجئين مقدّماً صورة حقيقية عن نضال الطفولة في وجه الاستغلال وتجار الحرب.

لكنّ ذلك لم يغيّر شيئاً فالإعلام السوري أصم أبكم عن الحدث، لا استعراض لإنجازات ديركي ولا حديث عن مشاركته في هذا السباق

العالمي ولا إشادة برصد نادين لحالة اللجوء السوري المتردية في لبنان ومعاناة الأطفال في بيع البسكويت والمحارم في شوارع العاصمة بيروت، في حين كان الفنانون السوريون متضامنين مع طلال ونادين عبر صفحاتهم على أمل إنجاز الفوز ونيل جائزة الأوسكار.

اقرأ أيضاً: سوق الرايتينغ مزدهر: من يحتكر ويبيع مسلسلات أكثر؟!

وفي البحث بسياق فيلم “عن الآباء والأبناء” يتقاطع الفيلم مع رؤية النظام في تعرض سوريا لموجة من التطرف أي يرصد بشكل أو بآخر ما حرص النظام على تصديره للعالم من فكر مشيطن للثورة السورية. وهنا ليس الخطأ من طلال بل من النظام الذي لم يستغل الفرصة المواتية للاستفادة من طرح الفيلم ووصوله عالمياً للتهليل لما يطرحه من شعار مكافحة الإرهاب. المختلف أن طلال على قائمة النظام السوداء والتي لن تزول إلا بتركيع الأسماء المدرجة وعودتهم صاغرين إلى مظلة الأسد للعمل تحت منهج تفكيره في سراديب مؤسسة السينما وإنجاز فيلم مقصور الرؤية عن الإرهاب مفاده تعرض السوريين العزّل لفكر متشدد أودى بهم إلى خسارة الوطن.

عن أي وطن يتحدث النظام السوري في أفلامه السينمائية المنتجة خلال سنوات الثورة، فلا إحساس بجراح البشر ولا تطرق لموضوع سبعة ملايين نازح ولاجئ داخل وخارج سوريا. لن يزيد فيلم طلال

وصمات عار النظام وصمة جديدة، لكنه يزيد الحرقة في قلب أي سوري لا تذكر إنجازاته في إعلام بلاده ولا يعد فيما ينجز “مواطن صالح”.

السابق
الجسر لجنوبية: السنيورة هو الأحرص على المال العام.. وسنواجه الملفات الوهمية بملفات حقيقية
التالي
مستشفى صيدا الحكومي: تلاعب في الفواتير وزبائنية… والمريض «على الله»!