حوار حول سيرة الغرباء في سوريا: «ليست رصاصة طائشة تلك التي قتلت بيلا»

لينا هويان الحسن

ناقش منتدى “ليل وحكي” رواية “ليست رصاصة طائشة تلك التي قتلت بيلا” للروائية السورية لينا هويان الحسن التي تشكلت قيمتها الرئيسية من السيَرُ المختلفة التي روتها لينا هويان الحسن للغرباء الحائرين بين وطنين، في رواية.

انطلق النقاش الذي حرك دفته الناقد د. علي نسر وسارة الدين بإدارة رئيس المنتدى د. نزار دندش، من سؤال من هم الغرباء “الفاتنون”- كما تنعتهم الكاتبة، و الذين شغلوا حوالي ثلاثمئة صفحة في رواية تاريخية مكتوبة بلغة تشويقية، تحمل عنواناً تجريبياً ونافراً عن تجربة “لينا هويان الحسن”، فجاء العنوان مثيراً ولافتاً: (ليست رصاصة طائشة تلك التي قتلت “بيلّا”)، إنّها “بيلّا بيكتاش الفتاة الآذريّة الخلّابة التي تحرّك مسار السرد، فتروي الكاتبة قصصاً مختلفة للغرباء الذين وفدوا إلى سوريا في مطلع القرن العشرين:” شركس، أكراد، أرمن، توركمان، يهود أشكناز ” كذلك، أسيويين من” أذربيجان، داغستان. .” فروا من أوطانهم عقب ثورة البلاشفة.

لينا الحسن
تبدو مدينة “حلب” حاضرة بقوة ومنافسة ل” دمشق”، فحمل الجزء الأوّل، عنوان ” حلب”، لتطلعنا الكاتبة على عوالم المدينة في ١٩٢٤ وقد وفد إليها الأرمن المسيحيون والآسيويون المسلمون هاربين من سكين القتل باسم الدين أو السياسة، يجمعهم الفقر والخوف والحيرة، رغم ذلك ينجح معظمهم في فتح صفحة جديدة لكن ليست نظيفة من دماء الماضي.

اقرأ أيضاً: «مالڤا» رواية تخلّي بابلو نيرودا عن طفلته المشوّهة

لا تختلف كثيرا سيرة دمشق مع الغرباء، والتي حمل اسمها الجزء الثاني من الرواية، لتكمل الكاتبة سيرة غرباء حلب وهم يلتقون مجدداً في دمشق، الخمسينيات، حيث فترة الانقلابات، وبداية الحكم الأمني الذي تأسس على يد عبد الحميد السرّاج.
حمل الجزء الثالث عنواناً مغايراً ” خُناصرة الأحصّ” وهو بقعة جغرافية فريدة قلما تم تناولها أدبياً، تنوّه الكاتبة في الهوامش إلى أنه المكان الذي ترعرع فيه المتنبي وقد ذكره مراراً في أشعاره. لكن تلك البطاح الشاسعة تحولت إلى وطنٍ ثان للشركس الذين سكنوها بناءا على فرمان عثماني من السلطان عبد الحميد. ثمّ جاء الفرنسيون ليكملوا عملية توزيع خارطة سورية من خلال القانون الذي أقرّته سلطة الانتداب، بتمليك الأراضي المستصلحة والمزروعة لمدة خمس سنوات.
تحفل الرواية بإضاءات أدبية غير مسبوقة حول أمكنة لها تاريخها مثل: حيّ الجديدة، بيت الأجقباش، حمامات وكنائس المدينة القديمة، كذلك قلعة سمعان في الريف الشمالي الشرقي لحلب، مروراً بفندق زنوبيا في تدمر الأثرية الذي أدارته الكونتيسة مارغريت أندوران التي تفننت بقتل الرجال بالسمّ!

لينا الحسن
تحمل أسماء أبطال الرواية دلالاتها التي تحيل إلى الأصول الغريبة” تيمور ميرزا الشركسي، سيسي بابايان الأرمنية، بيلّا بيكتاش الأذربيجانية. .”
أخبار وعادات وتقاليد وغرائب هؤلاء الأقوام تؤثث معظم صفحات الرواية التي تحمل ثيمات مختلفة ” الانتماء، الهوية، الحرية”، كما تحرّك أبطالها، قصص حبّ عاصفة، سَحَبت خيط السرد بصخب وسلاسة حتى النهاية المفعمة بالمفاجآت، وتصف دار الآداب، الناشرة ب” النصّ المشوّق” تشجيعاً للقارئ على قراءة عوالم متفردة وغريبة لربما لم تتم مقاربتها سابقاً. ووصفتها الأديبة الجزائرية في مقالة لها عن الرواية في صحيفة الرياض:
(متعة لا وصف لها، سيشعر بها قارئ الرواية ممتنًا لجهد الكاتبة ليس فقط أمام كم الأبحاث التي قامت بها ووثقت لها بلغتها الأدبية البهية، بل لأنها لم تسقط في الهوّة التي يسقط فيها أغلب كتابنا بمجرّد تحقيقهم شهرة معينة، لقد تفادت أن تتوقف عند نجاحات سابقة كما في “سلطانات الرمل” 2009، و”نازك خانم”، و”ألماس ونساء” 2014، في هذه الرواية ذهبت بعيداً، لدرجة أنها استطاعت أن تفتح نوافذ المخيلة بسهولة على صور تكاد تكون ملموسة خلال فعل القراءة. لقد جعلتنا نحلم، وهذه هي قدرة الأدب).
ركز د. علي نسر في مداخلته النقدية على المعلومات التاريخية المهمة التي حفلت فيها الرواية وتكلم عن الفارق الهائل بين ما نراه في الدراما السورية عن الشام في مطلع القرن العشرين والحقيقة التي تقدمها الكاتبة ببراعة كبيرة موثقة ضمن حنايا الرواية. وأثنت سارة الزين على لغة الرواية وتفاصيل الحياة اليومية في مدينة حلب مثل يوميات سيسي في بيت الأجقباش.
في نهاية جلسة المناقشة التي شهدت نقاشات جدية تؤكد أن الرواية مثيرة للجدل في أكثر من فكرة تطرحها، قدم د. نزار دندش درعا تكريمياً للكاتبة ولجهودها المبذولة في نشر الثقافة والمعرفة.

السابق
روبي… من الأغاني الهابطة إلى فنانة من طراز رفيع
التالي
دهم مزرعة تعود لنوح زعيتر وشقيقه…