أنا رياض سلامة وزوجتي علي حسن خليل!

كنت مستلقيا في غرفة الجلوس اتجاذب أطراف الحديث وسفاسفه مع زوجتي أشاهد المسلسل الإيراني النبي “يوسف الصديق” بعد منتصف الليل على قناة نبيه بري نتوورك التي اصطُلح على تسميتها NBN من باب التشبّه بالأعاجم والفِرنجة، حينما رمقتني رمقة إقشعرّ لها بدني، فعرفت سريعا أن مكيدة تحاك لي في حُلكة الليل الغربيب، فبادرتني بالسؤال: شو يعني سندات الخزينة؟!

قلت في سرّي ما الذي دهاها حتى تأتيني شأنا فريا؟ أهُم كهنة معبد آمون الذين يسلبون الناس الأموال والحنطة في المسلسل جعلوها تستذكر هكذا سؤال؟ وأنا لعمري لم أكن محباً لمادتي الإكونوميكس والفايننس اللتين تصيباني بالـ Arithmophobia (رهاب الارقام). أذكر أني أيام الجامعة كنت أفرّ من حصص الاقتصاد المشؤمة وألوذ إلى الكافتيريا، حيث أعاقر النيسكافيه مع أعضاء مجلس فرع الطلاب أولئك الذين أسئلة الامتحانات كان يُقضى إليهم وحيُها، فيقولون: ربي زدني علما… فينجحون بقدرة ربٍ عليّ!

اقرأ أيضاً: الطائفية والمحاصصة تمنع قيام «الدولة المدنية» في لبنان…

تنهّدت واستجمعت جام الأفكار في النُهى، ثم قلت لها: أنظري حبيبتي، هل تذكرين “الجمعية” التي أشركتكِ بها جارتنا فورّطيني بسداد دفعاتها الشهرية؟ فقالت لي بتردد: نعم، لست عنها حفية!

قلت لها: عظيم… فلنفرض أني حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أبحث عن أساليب وسبل لجلب الأموال من الخارج على شكل إيداعات بالأمانة وحينما أتعثر ألجأ كأي رب عائلة عاجز إلى الإستدانة. وأما أنتِ فوزير المال علي حسن خليل الذي يشرف على هدر المال داخل المؤسسات العامة والوزارات التي تمثل بيتنا الزوجي، وذلك بفعل الأمر الواقع وعملاً بمبدأ استمرارية المرفق العامة.

وأما حاجيات المنزل التي تبتاعينها يُمنة ويُسرى فهي النفقات، فيما الموظفون هم إبننا الوحيد (عُدَيّ) الذي تجعلين له خرجا كل صباح قبل ذهابه الى المدرسة. وأما الخرج فهو بمثابة سلسلة الرتب والرواتب التي تستنزف ما أعطيكِ إياه من مالٍ طارفٍ وتليد، فتجعلين إحرافيَ صعبَ المنالِ بعيد.

هنا قاطعتني قائلة: ما هذه السخافة… وما علاقة ذلك بسندات الخزينة؟ لقد جئتني شيئا إمرا! فقلت لها: ألم أقل لك لن تستطيعي معي صبرا؟ وأما “الجمعية” فالمراد منها في هذه الحالة هو خدمة الدين العام، فيما “الجمعية” الثانية التي أشركتكِ بها مرة جديدة قبل سداد دفعات الأولى، وأقنعتك بحسم قيمة القديم من الجديد هي سندات الخزينة، وما الآلية هذه إلا جدولة للدين العام… وأما جارتنا فهي دولة قطر!… فحزن قلبها وانفطر، وارتسم على محياها العُبوس وذرتني وحيدا في غرفة الجلوس، ثم خلدت الى الفراش.

أما أنا فولّيت وجهي شطر التلفاز واستليت جهاز التحكم وتحولت من NBN الى قناة chasse et pêche التي تعرض الرذيلة والخلاعة بعد منتصف الليل!

السابق
ناشط يوثق أسماء 17 ألف شهيدا تحت التعذيب والإعدام الميداني وينشر القائمة كاملة
التالي
اعتذر حزب الله.. لكن عن ماذا؟