مشاهد مروعة في مستشفى الطب النفسي.. المرضى مهملون!

كتبت حيات جابر علي أحمد عبر صفحتها الخاصة فيسبوك “اتصلت بي قريبتي هدى بيطار جمعة وطلبت مني مرافقتها الى مستشفى الفنار للطب النفسي لتوزيع كمية كبيرة من الحرامات على المرضى .. طبعا رحبت جدا بالفكرة وتفرغت صباح هذا اليوم لتلك المهمة …
من البعيد وعلى رأس جبل في الزهراني , تراءى لي مبنى المستشفى بلونه الارميدي , وهندسته الجميلة , محيطا بغابة من الاشجار … وحين وصلنا وجدنا رجلا سألناه عن المدير المسؤول , قال : ” ان زوجة السيد اللبان , الذي بنى المستشفى , استلمت بعد موته ادارتها , وهي زهايمر الان , وتسكن الفيلا الصغيرة تلك , وابنتها ايضا مريضة , الان لا احدا مسؤول … واضاف حين سألناه عن مصير المرضى . ” المؤسسة ليست ماشية , فهي تموت بمن فيها , من سنتين لم يسأل عنا احدا, ووزارة الصحة تتهرب ولا تجيب , لم نقبض راتبنا انا وكم موظف هنا منذ اكثر من سنتين , لم يبق سوى قلة من الموظفين , ودكتور طفيلي وكنج للاعصاب , ودكتور غصن صحة عامة , وصافي العشّي ” …
اصبنا بصدمة كبيرة انا وقريالعامة
ن نزلنا طابق النساء , لم ار بحيااتي ما رأيناه , ثياب المرضى البالية , مصفوفة فوق بعضها بفوضى رهيبة على الادرج , ونفايات واوساخ وزبالة نثرت في كل مكان , كما في الصور , واثار او ما تبقى من الوان ” دهان ” على الحيطان والادراج والقاعات والكراسي والدرابزينات المزنجرة … وحين دخلنا الى قاعة كبيرة حيث اسرة المرضى الممزقة والمتسخة وبلا الشراشف , وقفت اللواتي تستطيع منهن الوقوف الى جانب بعضهن البعض , ترتجفن من الخوف ومن البرد , لانه ليس لديهم مازوت للتدفئة , ولا كهرباء , لا اشتراك , ولا بطاريات ….اسرعنا بتوزيع الحرامات ووضعها على اكتافهم كي يشعرن بالدفء … وركضت بعضهن تشكي وتبكي لنا معاناتها , احداهن اقسمت ان عقلها سليم وتريدنا مساعدتها على الخروج , وغيرها حدثتنا كيف تخلص منها والديها لان شكلها غير مرغوب به , واخرى رماها زوج امها , وشابة ارمنية لا تعلم لماذا اتوا بها الى هذا المركز وتوسلت الينا لانقاذها … وغيرهن كثيرات وراء كل منهن قصة …. اما الحالات الخاصة جدا , يقبعن في اسرتهن من دون حراك …
لم نستطع التحمل اكثر هممنا بالخروج لحق بنا رجلا وهو يصرخ لا اريد الرز والعدس … مللت اكلهم اشفقوا على ليس لي في الحياة سوى صحن آكله عن الظهر … ضحك الطباخ صافي حين سألناه ما مشكلة العدس او الرز ….اجابنا ان مشكلتها ابتدات من اكثر من سنة ولم تزل , اذ لا طعام سواه … حين صرخنا اجابنا احدهم بحرقة والدمعة في عينيه :
_” اقسم انني ساموت من فقدان الانسانية , لا شفقة ولا رحمة , وزارة الصحة تنحت من واجباتها رغما انها تقبض على كل مريض مبلغا من ايطالية … لا مؤسسة ولا دولة مسؤولة , لا يجبرني على الاستمرار في عملي سوى هؤلاء المساكين .. وأضاف الطباخ : ” وانا ,, من يطعمهم العدس لو تركت ؟؟…انزلي الى المطبخ وشاهدي , لن تجدين كيس بطاطا او غيره ؟؟..”.( كما يبدو في الصور ) … الله يرحم من كان يموّلنا بالمواد الغذائية , لم نكن نحتاج الى شيء ,, وحين قال انه الحاج محمد الشماع من صيدا , سررت جدا فهو أب صديقتي , ومعروف عنه انسانيته وكرمه وتعاطفه مع كل محتاج ومسكين , ولقاء عطاءاته وخدماته نال الاستحقاق اللبناني , ونال هو والسيدة رباب الصدر الميدالية الذهبية برتبة ظابط اكبر للعمل الانساني ,, واقيم له حفل افتتاح شارع باسمه في صيدا ,, رحمة الله تنزل عليه وجعل الله مثواه الجنة , امثاله قلة اليوم , ولكنني اتساءل كيف ان المسؤولية تقع على شخص واحد ؟؟… اجابني ان الوزارة كانت تساعد قديما , وبعض المحسنين , ولكن الشماع كان اكثرهم عطاء ولمدة 30 سنة حتى آخر ايامه حين كان مريضا ..
هنا تدخل شابا متوسط العمر وسليم العقل , ولكن بطيء النطق , انطلق قليلا حين انفعل , قال وهو يرتجف متأثرا :
_ ” يا غيرة الدين , يا ابناء الله , يا نواب يا وزراء , يا رؤساء , يا شيوخ .. ما الذي يحدث في هذا البلد … اين المسؤولين عن الامانة ؟؟… اين المسؤولين عن راحة المواطنين , والمرضى , والمحتاجين ؟؟…. لا نطالب بالكماليات , رضينا بالقلة , فقط نريد العناية باصدقائي واهلي هؤلاء , هم لو فروا من تلك العذارة والقذارة , والحاجة , والالم , والجوع , والبرد , لشكلوا مشكلة كبيرة على المجتمع , لدينا فوق المئة رجل وفوة الستين سيدة قال الطباخ ,,, واكمل الرجل واضاف , نحن نصرخ من سنين لا حياة لمن تنادي , نحن جياع يا عالم ….نموت من الجوع لا نأكل سوى العدس والارز واذا راف بنا احدا مرة في السنة واحضر لنا سندويشات دجاج نلحس الورقة التي تلفهم ,, رائحة المرضى تفوح من قلة الاستحمام , لا صابون ولا سوائل للتنظيف , ولا مياه ساخنة …. الحيوان يعيش افضل …. نحن منسيون وكأن العالم يتآمر علينا وينتظر رحيلنا يريد التخلص منا … نحن نتوسل الله ان يأخذ ارواحنا ويريحنا من هذيه الحياة المؤلمة والقاسية ” … تركنا وهو يتمتم وينادي صديقه ميشيل …
هنا ,, قيل لنا ان المرضى من كل الاطياف , ففي المصح دروز وسنة ومسيحية وشيعة ..وايضا ارمني …
مواطنون لبنانيون من كل الاطياف والفئات مقبعون هنا في تلك المستشفى المهملة …. هل من اصوات انسانية تصرخ ,, تعترض ,, تعبر ؟؟…..”

 

السابق
كل خبر كاذب إلى محكمة المطبوعات
التالي
رعد باسم كتلة الوفاء للمقاومة يعتذر عما صدر عن النائب نواف الموسوي