الأمين: «رجل دين».. تكاد تكون المهنة الوحيدة التي لا يسبقها عملية تدرّج وتمرين

سؤال: هل تنصح بفرض تدرّج رجال الدين قبل الانطلاق في الميدان نظير ما هو معمول به في مجال المحاماة؟
يمكنني من خلال مرحلة طويلة نسبياً من تجربة العمل الديني أن أسجل الكثير من الملاحظات والنقود على ما هو شائع على مستوى أداء طلاب علوم الدين وعلماء الدين، وهو ـ أي ما يمكن أن أتطرق إليه في هذا المجال ـ أن تكون دائرته واسعة وظاهراته متعدّدة، ولكن النقطة التي نريد أن نشير إليها الآن هي أنّ مهنة عالم الدين ـ إذا صحّ التعبير ـ تكاد تكون المهنة الوحيدة التي لا يسبقها عملية تدرّج وتمرين، تشبه ما هو موجود في حقل القضاء وحقل المحاماة، إذ من قانون القضاء والمحاماة أن يمرّ الواحد منهما ـ القاضي أو المحامي ـ بمرحلة تدرّج، وهذه تكون بإشراف من سبقوهم من المتمرّسين في هذه المهن، واستطراداً أودّ هنا أن أشير إلى أنّ القضاء الشرعي في لبنان ينقصه هذا الجانب حيث يجري تعيين القاضي قاضياً أصيلاً دون المرور بمرحلة التدرج التي بدونها من الصعب أن يتوفّر القاضي على مستلزمات عمله القضائي.

اقرأ أيضاً: العلاّمة الأمين.. المرحلة التي يستحسن فيها لبس العمامة

وهكذا الأمر بالنسبة لعالم الدين الذي يتخرّج من الحوزة العلميّة ويدخل ميدان العمل الديني مباشرة ودون الخضوع لفترة من التدريب والتدرج على أيدي العلماء السابقين المؤهّلين لتقديم المعارف الضرورية للابتداء في مسيرة العمل الديني.
في تجربتي القضائية الطويلة يمكنني أن أعدد الكثير من السلبيّات التي وقعت عليها لدى كثير ممّن يعملون في المجال الديني، وليس أهمها الأمور البسيطة نسبياً التي تتعلق بأحكام الزواج والطلاق وصيغ هذه الأحكام، هذا عدا عن مجالات الوصايا والإرث وغيرها من أبواب الأحوال الشخصية التي يفترض أن يقوم بها رجال الدين خارج العمل القضائي وأن يرسلوها إلى المحاكم بهدف إقرارها رسمياً أو الاستعانة بها في مجال النظر في الدعاوى المقامة في هذه المحاكم، ولا أبالغ إذا ذكرتُ مثالاً مضحكاً، حيث أرسل بعض هؤلاء ورقة مع رجل وامرأة مطلّقين وكتب في هذه الورقة أنه أجرى طلاقهما طلاقاً (بائناً رجعيّاً).

اقرأ أيضاً: ماذا يقول العلاّمة الأمين بمشاركة رجل الدين بالانتخابات

إذا كان ثمّة من محاولة لإصلاح هذه الظاهرة فإنّ الأمر ـ في نظري ـ يتطلّب مؤسسة مرجعية ملزمة لكلّ الذين درسوا وتوجّهوا للعمل في الحقل الديني، وليكون إشرافها على تدريب هؤلاء إشرافاً واجباً وملزماً بحيث لا يسمح لعامل في الحقل الديني أن يمارس دوره بدون تزكية من هذه المؤسسة.
وإذا كان ما قلناه هو الخيار الوحيد لإصلاح هذا الجانب من جوانب العمل الديني فإنني لست متفائلاً من إمكانيّة قيام مثل هذه المؤسسة التي كان يمكن أن تكون جزءاً مركزياً من مهمات المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. ولكنها مع الأسف ـ كما غيرها من الأمور الكثيرة ـ لم يضطلع بها هذا المجلس، الأمر الذي جعله من وجهة نظري مجلساً شكلياً لدرجة يمكن القول بانتفاء الحاجة إليه، إلّا في حال قامت نهضة دينيّة واعية وأعادت تجديد هذه المؤسسة وتوفير كل أسباب النجاح لعملها في تنظيم العمل الديني.

(من كتاب “أمالي الأمين” للشيخ محمد علي الحاج العاملي)

السابق
محمد حجازي: زراعة الأفوكادو هي الزراعة الأقدر على الحياة في لبنان
التالي
الحريري: متأكّد أننا سنصل إلى حلول وعلاقتي بعون ممتازة