عسكرة السياسة الحزبية…

حزب الله في سوريا
بعد عودته غير المعلنة من سوريا، حزب الله يواجه فائض القوة لديه ويسعى الى تنظيمها في حيّز مكاني صغير من المستحيل أن يستوعبها ولو لوقت قصير، ذلك أن عواقب العودة مازالت تتوالى عليه وتلاحقه ويُخشى أن تطول مدتها.

بدا واضحاً في الآونة الأخيرة كيف ان حزب الله يجهد في تمرير رسائل ليس إلى خصومه أو أعدائه فحسب، إنما إلى الراعي والرعية وإلى القيادة الروسية المسيطرة والمتمركزة بعد التسوية الدولية على كامل الجغرافية السورية.

إنتخاب أشرس المعارضين لحزب الله رئيساً للجمهورية إن حصل في هذا التوقيت بالتحديد لن يؤثر على كينونته و لا على قوته في شيء، هذا ما يقوله ويكرره ويجمع عليه كبار المتابعين والمحللين والمتخصصين في الشأن السياسي والأمني والإستراتيجي في المنطقة، وان ما حصل عليه الحزب واستفاد منه في وقت سابق جراء التنازلات العجائبية التي اقدمت عليها كبرى الشخصيات السياسية في البلد وأدت إلى تحقيق مكتسبات داعمة لمواقفه كما يضيف هؤلاء، يجعل من المنطق أن لا يتخلى عن ما حققه لصالح توزير تفصيل لا معنى استراتيجي له، خصوصاً وان ما أقدم عليه هؤلاء المتنازلون واستفاد منه أتى في زمن حربٍ خاضها خارج الحدود علناً وعاد منها الى الآن بهدوء..

اقرأ أيضاً: الجمهور العوني مستاء وجمهور حزب الله يهاجم باسيل

حزب الله وبعد الحروب الإقليمية الكثيرة التي خاضها خسر بعضاً او ربما كثيراً من حنكته الدبلوماسية التي تمتع بها لفترة من الزمن لصالح زيادة ملحوظة في الإستراتيجيات العسكرية والأمنية احتاجها في زمن الحرب ورافقته الى اليوم وانعكست كما هو ظاهر على ادائه السياسي في ملفات عدة، منها تأليف الحكومة التي لأجلها خاض عدة معارك منها ناعمة كما مع الباسيلية المُعطلة وشرسة ضد السيادية القواتية، ومتقلبة مع الحصرية الإشتراكية، و غير مبررة مع الأخلاقية الحريرية، التي اختار لها وبعد عجز أن يدخل في انف الثور البعوضة لكي يلغي خاتمة إيجابية لتسوية حكومية نتيجة توتر عنده، وفيه أن ما يرسم له هو أخطر من أخطر معركة خاضها في السنوات الماضية.

رئاسة الحكومة في لبنان لا تعني الوزير الأول وترجمتها لا تعني تجريد المنصب من الصلاحيات، والمزاجية التي تقود البلاد بسرعة جنونية إلى الهاوية لا يدرك أصحابها أن إستعمال المكابح بشكل مفاجىء يشكل خطرا مضاعفا ليس على السائق المخمور المعتدّ بقوته فحسب، بل على كل من في السيارة وكل من يصدف وجودهم في المحيط.

تشكيل الحكومة في لبنان بات كما لعبة الإنذار الأخير، تلك اللعبة التي يُعطى فيها لأحد الاشخاص مبلغ من المال لكي يحتفظ بها ان يتقاسمها مع شريك له كما يريد، فيكون له الخيار إما أن يعطيه أقل أو ان يتقاسمها بالتساوي أو ربما يكون سخياً فيعطي أكثر مما يبقي لنفسه. أما الشريك المعروضة عليه القسمة فله أن يختار فقط بين أن يقبل بالعرض أو يرفضه، فإذا قبل العرض ربح هو وربح الشريك أما إن رفض وهنا بيت القصيد، فلن يحصل اي منهما على أي شيء وسيخسر الإثنان المبلغ معاً.

ما يحصل مع حزب الله في موضوع تشكيل الحكومة يشبه تماما ما يقوم به أحدهم عند تحميل برنامج على حاسوبه حيث يُطلب منه بعد عرض عشرات الصفحات الممتلئة بالبيانات القانونية وأن يوقع على الإتفاقية المرفقة فينظر اليها ثم يمررها سريعاً حتى يصل الى الصفحة الأخيرة، فيضغط على الرغم من حاجته للبرنامج على عبارة “لا أوافق”!

السابق
الإمارات تعلن عودة العمل بسفارتها في دمشق
التالي
جعجع يقدّم التهاني بالعيد لعائلة بطرس خوند