ايران وتركيا …العلاقة الملتبسة

حسن فحص

ما من طرف من الاطراف المعنية بالازمة السورية يلتزم الحد الاعلى من ضبط النفس والترقب لتداعيات ونتائج القرار الامريكي بالانسحاب من سوريا اكثر من الطرف الايراني.

فطهران وعلى غرار السلوك الذي اعتمدته في ازمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، إلتزمت التريث في اعلان موقفها من المفاجأة التي فجرها الرئيس دونالد ترامب بسحب قواته التي كانت تشكل العائق الاساس والسد الحقيقي امام تحقيق ايران لمشروعها في السيطرة على الحلقة الاخيرة من حلقات بناء الهلال البري الذي يربط طهران ببيروت مرورا في بغداد ودمشق.

التريث الايراني قد لا يكون فقط من اجل انتظار تداعيات القرار ومحاولة تلمس النتائج والصفقات التي انتجته، بل ايضا من اجل العمل على احتوائها وتقدير الخطوات التي يجب القيام بها لتحويل التحدي الذي نتج عنها الى فرص لتعزيز مشروعها.

فاذا ما كانت بعض دوائر القرار الايراني تعتقد بامكان ان يكون قرار الانسحاب بمثابة “حصة” ترامب من “الدية” السعودية في دماء “خاشقجي تدفعها للغريم التركي، وبالتالي تخفيف القلق التركي من العلاقة الملتبسة بين الوجود العسكري الامريكي في مناطق شرق الفرات السورية والفصائل الكردية الطامحة لتعويض التجربة الكردية في الاقليم العراقي – المُحبطة بالحد الادنى – وما تحمله من تحدٍ لانقرة المتخوفة من انعكاسات اي صيغة كردية في سوريا على داخل تركيا واكرادها. الا ان طهران تنظر الى الاجراء الامريكي بعين الريبة التي لا تقف عند حدود الانسحاب وتفويض الامر للجانب التركي للتصرف والقيام بما تقتضيه المرحلة التالية، بل تتعداه الى اعادة صياغة الاحجام للقوى والاطراف المعنية بالازمة السورية اولا والشرق اوسطية ثانيا.

اقرا ايضا: اليمن..إلى حرب داخلية!

وتخشى طهران ان يؤدي ارتفاع وتيرة التعاون التركي الامريكي على الساحة السورية، مع إدراكها لعمق العلاقة بين الطرفين على خليفة التحالف التاريخي المؤطر داخل حلف الناتو، الى الدفع بأنقره لتجاوز الدور والاطار الذي سبق لطهران ان حاولت جاهدة لرسمه في الملفات الاقليمية خصوصا الملف السوري.

فعلى الرغم من ان الخطوة الامريكية فاجأت وصدمت غالبية اللاعبين على الساحة السورية، الا ان الطرف الوحيد الذي بقي بعيدا عن هذه المفاجأة كان اللاعب التركي الذي تفاعل مع هذه الخطوة من خلال اعلان تأجيل العملية العسكرية التي اعد لها وحشد قواته العسكرية لتنفيذها في مناطق انتشار الفصائل الكردية في شرق الفرات، وجاء الاتصال الهاتفي بين الرئيس الامريكي والرئيس التركي معززا لهذا الامر عندما “ترك” ترامب الامر في سوريا والتعامل مع بقايا العناصر الارهابية لنظيره اردوغان، ما يعني ان الجانب التركي لمس جدية لدى الرئيس الامريكي بتنفيذ قراره. ولا تستبعد طهران ان تعمد انقره للدخول الى شرق الفرات وهذه المرة يجب ان يكون بضوء أخضر من روسيا في حال فشلت باريس التي تسعى للدخول على خط الازمة الكردية لتوفير الغطاء الدولي للفصائل الكردية امام التهديد التركي.

فالعملية العسكرية التركية في شرق الفرات غير مستبعدة من قبل ايران، خصوصا وان أنقرة تعتبرها مسألة مصيرية وطنية وأمن قومي، او مسألة حياة او موت، وان هدوء واستقرار وامن تركيا لن يكون ممكنا ما لم يتم تنظيف شرق الفرات من الفصائل الكردية. وهذه العملية قد تتيح الفرصة لايران ومعها روسيا والنظام في دمشق من اجل الدفع بقواتها من اجل استعادة محافظة ادلب من قوى المعارضة او ما يتفق الاطراف الثلاثة على وصفها بالجماعات الارهابية. اي ان هذه القوى ستستغل انشغال تركيا في قطف الفرصة التي اتاحتها واشنطن لها في شرق الفرات من اجل اطلاق عملياتها العسكرية باتجاه ادلب.

وتعتقد طهران ان لجوء تركيا لشن هجوم على شرق الفرات من دون الاخذ بالاعتبار حساسيات طهران وموسكو، والتي من الممكن ان تترافق مع بدء الجيش السوري هجوما على ادلب، قد تؤدي الى حصول شرخ وتصدع في مسار “آستانه” الثلاثي الذي يضم تركيا وروسيا وايران حول الازمة السورية والذي ساهم في تراجع مسار جنيف.
الحسابات المتقاطعة

لا يخفي الايرانيون خشيتهم من ان يكون الهدف الامريكي من قرار الانسحاب المفاجئ ضرب التقارب والتحالف التركي مع ايران وروسيا في الملف السوري، اي استهداف “ترويكا آستانه” التي تشكلت عام 2017 على حساب مسار جنيف، خصوصا النجاحات الميدانية التي حققتها هذه الترويكا والتفاهمات التي أرستها والتي مكنت النظام السوري من استعادة السيطرة على اجزاء كبيرة من الاراضي، وما حققته هذه الترويكا من تقدم على مسار الحل السياسي وانتهى بتشكيل لجنة صياغة الدستور الجديد لسوريا.

وفي هذا الاطار استطاعت ايران ومن خلال دورها الميداني الذي فرض نفسه على الجانب الروسي، استطاعت تعديل موقف موسكو من الازمة السورية باتجاه رفض اي حلول تقسيمية في سوريا، وذلك بعد ان كانت موسكو لا ترى اشكالية في الموافقة على المقاربة الامريكية بتوزيع سوريا بين ثلاث مناطق، الاولى تحت سيطرة النظام بدعم روسي ايراني، والثانية في شرق الفرات تحت سيطرة الفصائل الكردية بدعم امريكي وثالثة في الشمال خصوصا في محافظة ادلب ومحيطها خاضعة للسيطرة التركية.

لذلك فان خروج تركيا من معادلة “ترويكا آستانه” يعني خسارة طهران وموسكو قناة الحوار والتواصل مع قوى السورية المعارضة التي إستخدمتها وتستخدمها انقره، ما يعني ان المرحلة المقبلة من المحتمل ان تشهد مواجهة وتصادماً بين مصالح روسيا وايران ومصالح تركيا في ما يتعلق بمساعي استعادة النظام في دمشق لكامل سيطرته على كامل الاراضي السورية. ومن المتوقع ان تعود تركيا للعب على موقفها من النظام في دمشق ولن تكون على استعداد لاعادة المناطق التي تسيطر عليها والانسحاب منها قبل حسم موضوع انتقال السلطة وطبيعة النظام الذي سيحكم في دمشق، اي بمعنى اخر عودة انقره لنقطة المطالبة برحيل رأس النظام كشرط لنجاح اي حل سياسي لهذه الازمة. ما يعني ان تركيا ستعود الى دائرة التقارب مع الموقفين الامريكي والاوروبي في اطار اعادة تفعيل دور حلف الناتو ، بانتظار اتضاح معالم الدور المستقبلي الذي ستلعبه او سيوكل لها بعيدا عن موسكو الذي سيكون حصرا في ما يتعلق بالملف السوري واحتفاظها بمنظومة المصالح التي تربطها مع موسكو (الغاز) وطهران (احدى البوابات الرئيسة في الالتفاف على العقوبات الامريكية).

في المقابل، فان خروج تركيا من “ترويكا آستانه” والانخراط باللعبة الامريكية وقرار الانسحاب ومحاولة تلقف الفرصة لتحجيم الطموحات الكردية التي تشكل هاجسا وقلقا لانقره طالما يحظى بالمظلة والغطاء الامريكي، هذا الخروج او الانفصال سيعني ان تركيا قد فقد احدى اهم قنوات تواصلها مع بعض الفصائل الكردية التي تعتبرها انقره تهديدا مباشرا لها، خصوصا حزب العمال الكردستاني الذي لم يخرج نهائيا من دائرة التأثير الايراني، اضافة الى الدور والتأثير الروسي على هذه الفصائل، وبالتالي فان انقره ستفقد امكانية التوصل الى تفاهمات مع هذه الاطراف حول الدور المستقبلي لها في المناطق الكردية خصوصا اذا ما قررت القوات الكردية الدخول في تفاهمات مع النظام في دمشق برعاية من الطرفين الروسي والايراني وفتح الطريق امام دخول الجيش السوري الى مناطقهم في اطار التفاهم على العودة الى الصيغة التي حكمت العلاقة بين هذه الفصائل والنظام بداية الازمة السورية. اما اذا قررت انقره عدم الاخذ بالاعتبار كل هذه المعطيات والسير بشن عملية عسكرية على مناطق شرق الفرات، فلن يكون بمقدروها اقامة تنسيق مع القوات الروسية او الايرانية على غرار ما حصل في منطقة عفرين عندما دخلها الجيش التركي.

الاكراد يشعرون بشكل جدي بالخيانة الامريكية لهم، واستعداد واشنطن للتخلي عنهم مقابل صفقة مع الجانب التركي لم تتضح معالمها بعد وان كان بعض المعطيات يشير الى صفقة تتعلق بالموضوع السعودي وفضيحة اغتيال خاشقجي، خصوصا وانها لم تتعامل معهم على غرار ما فعلته مع اكراد العراق بين عامي 1991 و2003 عندما اعلنت سماء الاقليم العراقي منطقة حظر طيران ووفرت لهم مظلة تحميهم من اي عمل قد يقوم به نظام صدام حسين ضدهم، اما في حال راوغت وعادت لاعلان التزامها بتوفير هذا الغطاء لهم، فان ذلك سيعني امكانية دخولها في تصعيد مع انقره، قد لا تكون موسكو على استعداد للعب دور الحاضن لتركيا، اضافة لامكانية عدم استعدادها لتكون حاضنا ايضا للفصائل الكردي وتلعب دور البديل عن واشنطن في حمايتهم.

السابق
الثنائي الشيعي لباسيل: لست مرشحنا لخلافة عون
التالي
سعيد: أين رد حزب الله على إسرائيل؟