اليمن..إلى حرب داخلية!

حسن فحص

في التحضير لمقدمات الاتفاق الثلاثي الايراني الروسي التركي حول مدينة ادلب، كانت طهران وبعيدا عن شركائها في هذا الاتفاق، تحاول رصد تداعيات هذا الاتفاق على مناطق اخرى تشكل نقاط نفوذ لها، وكيفية حمايتها من تداعيات هذا الاتفاق وتطبيقه، اضافة الى التحدي الذي يضعه امامها الوجود الامريكي في مناطق شرق الفرات السورية وما فيها من تشكيلات ماتزال قادرة على التحرك والتهديد تابعة لتنظيم داعش، خصوصا وانها تتهم الادارة الامريكية بانها على تنسيق مع هذه الجماعات وتعمل على اعدادها للعب دور جديد في المنطقة.

ولعل التحدي الابرز للجانب الايراني وحلفائه هو الاعداد الكبيرة لمقاتلين تابعين لداعش يقارب الخمسة عشر الفا في شرق الفرات واخرين موجودين في محافظة ادلب والمناطق المحيطة بها التي تقع خارج سيطرة النظام في دمشق بمن فيهم من “ارهابيين” اجانب. وهو الامر الذي طرح على قيادة العمليات الايرانية اسئلة حول المكان الذي يمكن ان يتم ترحليهم اليها ومن هي الجهة التي ستتولى عملية اخراجهم سلما او حربا من اخر معاقلهم على الاراضي السورية.

اقرأ أيضاً: انسحاب أميركي مفاجئ من سوريا: انتصار لتركيا وإيران وروسيا.. والأسد

سياسي ايراني رفيع معني بعدد من ملفات المنطقة، لم يتردد في وصف المرحلة المقبلة التي يتم التخطيط لها في ما يتعلق بمصير هؤلاء المسلحين والاماكن التي سينقلون لها، بانها مرحلة ستشهد “حالة عنف دموي كبير وواسع” مضيفا ان “حدة العنف مرتبطة بالاماكن التي سيختارها الامريكيون لتكون ساحة بديلة لهذه الجماعات بعد خروجهم او اخراجهم من سوريا”.

العراق .. جهود لافشال المخطط

هذا السياسي كشف ان القيادة الايرانية الميدانية ومعها السياسية المعنية بموقع ودور ايران الاقليمي تعتقد بان الجانب الامريكي ومعه بعض دول المنطقة “لم يصلوا بعد  الى مرحلة الاعتراف بالمتغير السوري والاقليمي” لذلك يضيف ان هؤلاء “سيلجأون الى اعادة فتح ساحات لم تتعاف بشكل تام من اثار الحرب التي تسبب بها تنظيم داعش، خصوصا في العراق واليمن”.

وقد وضع هذا السياسي سيناريوهات لما تخطط له الادارة الامريكية في ما يتعلق بهذين البلدين، كاشفا ان الجانب المتعلق بالعراق، يقوم على فتح الطريق امام عودة عناصر تنظيم داعش الى داخل العراق من خلال صحراء الانبار والدفع بهم مجددا باتجاه محافظة نينوى وسامراء من جهة، ومن جهة اخرى باتجاه صحراء النجف وكربلاء، على شكل مجموعات متفرقة لتشكل تهديدا متنقلا لهذه المناطق يسهم في ارباك القوات المسلحة العراقية ويفقدها مساحات واسعة وكبيرة من الاراضي التي استطاعت تحريرها من هذا التنظيم خلال السنوات الماضية.

وفي هذا الاطار يلفت هذا السياسي الى المعارك التي تخوضها القوات المسلحة العراقية بكل صنوفها على طول الحدود مع سوريا، والى الغارات المتتالية التي يقوم بها الطيران الحربي العراقي على مواقع لتنظيم داعش داخل الاراضي السورية، وهذه العمليات تجري بمشاركة اساسية وواسعة من “قوات الحشد الشعبي”، والهدف منها قطع الطريق والتصدي لاي خرق أمني محتمل قد يأتي من داخل الاراضي السورية التي تنتشر فيها القوات الامريكية. اضافة الى التصدي للحرب النفسية التي سيطرت على الساحة العراقية في الشهرين الماضيين من جراء “تضخيم” الخروق الامنية التي شهدتها محافظة نينوى وبعض مناطق مدينة الموصل التي قامت بها بقايا عناصر تنظيم داعش، وقد صور الامر وكأنه عودة لهذا التنظيم مستغلا الازمة السياسية والحكومية في بغداد.

ولا يتردد هذا السياسي في التأكيد ان المواجهة مع “مخطط” عودة داعش الى العراق، يعني ان الجانب الامريكي يحاول تعويض خسائره في سوريا والعراق بعد ان تحول النفوذ الايراني والدور الذي تلعبه ايران على هذه الساحة امرا واقعا لا يمكن انكاره رغم رفض واشنطن الاعتراف بذلك. وبالتالي فان هذه المعارك والمواجهات على طول الحدود العراقية السورية تعيد التأكيد على الدور الذي يلعبه “الحشد الشعبي” في مستقبل العراق واستراتيجية مواجهة الارهاب في المنطقة، اضافة الى انه سيكون احدى الركائز الاساسية للصورة التي ستكون عليها المنطقة من طهران وصولا الى لبنان مرورا بالعراق وسوريا، اي الدور الذي ستلعبه التشكيلات العسكرية الرديفة في ترجمة الرؤية والاستراتيجية الايرانية في المنطقة من خلال خلق مؤسسات عسكرية موازية في هذه البلدان لمؤسسات الجيش النظامي واضفاء الشرعية عليها على غرار التجربة الايرانية في ما يتعلق بمؤسسة حرس الثورة الاسلامية وقوات التعبئة التابعة لها. اي ان يكون في العراق مؤسسة عسكرية للحشد الشعبي رسمية موازية للجيش وهو ما حدث، الى جانب انشاء مثيل لها في سوريا وتحويل “قوات الدفاع الوطني” الى مؤسسة موازية ورديفة للجيش، بانتظار ان يتحقق ذلك في لبنان من خلال اقرار استراتيجية دفاعية تضمن شكلا رسميا لقوات حزب الله الى جانب المؤسسة العسكرية الرسمية.

اليمن .. حرب ما بعد الحرب

ترسم الدوائر الايرانية سيناريو قاتماً لمستقبل الازمة اليمنية، وهي تعتقد بوجود مساعٍ لابقاء اليمن في حالة من الفوضى حتى وان تم التوصل الى وضع نهاية للحرب التي يشنها التحالف السعودي الاماراتي تحت شعار القضاء على جماعة انصار الله وزعيمها عبدالملك الحوثي واعادة فرض سلطة الحكومة “المعترف بها دوليا”.

ويرى السياسي الايراني الرفيع ان السيناريو الذي يخطط لليمن ليس منفصلا عن السيناربو المتعلق بشمال وشرق سوريا ومصير بقايا تنظيم داعش والعناصر الارهابية الاخرى خصوصا العناصر الغربية (التي تحمل جنسيات اجنبية)، وهو مرتبط بالدور الذي قد تلعبه تركيا التي تسعى لابعاد وتفكيك المشروع الكردي في هذه المناطق عن حدودها.

فالهدف التركي في تفكيك المشروع الكردي مرتبط بمدى التفاهمات التي من المفترض ان تعقدها مع الادارة الامريكية حول مستقبل ومصير هذه العناصر الارهابية في المنطقة، خاصة في حال قام النظام السوري في دمشق وحلفائه بشن هجوم لاستعادة السيطرة على محافظة ادلب وما تبقى من مناطق تابعة لمحافظات حلب واللاذقية وحماه.

وتعتقد طهران حسب هذا السياسي ان ما يؤخر الضوء الاخضر الامريكي الذي يعني امكانية عقد الصفقة مع انقرة حول منطقة نفوذ القوات الكردية، قد يتعلق بالتردد التركي في موضوع تأمين الطريق الامن لخروج العناصر الارهابية باتجاه المناطق المحددة لدورها المستقبلي.

وتعتقد القيادة الايرانية الى حد الجزم، ان الادارة الامريكية تخطط لاجراء عملية نقل لاعداد كبيرة من عناصر تنظيم داعش والارهابيين الاجانب باتجاه اليمن، وان هذه العملية بحاجة الى تعاون تركي لانجازها، الا ان الثمن الذي تريده تركيا مازال محل تردد لدى واشنطن، وان موافقة الاخيرة على الشروط التركية يعني موافقتها على التخلي عن الغطاء المحلي الذي تستخدمه ذريعة للحفاظ على وجودها العسكري في النقاط التي انشأتها داخل الاراضي السورية، اي حماية الجماعات والفصائل الكردية، وان الجانب الامريكي قد يكون في وضع بات مجبرا على اتمام الصفقة مع انقره بالتزامن مع الوضع المستجد على الساحة اليمنية والنتائج التي اسفر عنها مؤتمر استوكهولم برعاية من الامم المتحدة وتأييد واضح من طهران. وبالتالي فان التسريع بعملية نقل هؤلاء المقاتلين باتت اكثر الحاحا من اجل تحضير الارضية لمرحلة ما بعد مؤتمر السلام الذي من المفترض ان يعقد في الشهر الاول من العام المقبل 2019.

وترى  طهران ان الاطراف المعنية بالازمة اليمنية لن تسلم بالنتائج الميدانية والسياسية والدولية التي انتهت لها هذه الازمة وما يمكن ان تحققه جماعة انصار الله والحوثي في المرحلة المقبلة، وعليه فان هذه الاطراف ستعمد الى اسلوب جديد للتعامل مع المستجد اليمني من خلال اشغال الحوثيين واليمنيين بمعارك داخلية احد اطرافها الجماعات الارهابية والداعشية التي ستبرز على الساحة اليمنية تحت ذرائع مذهبية وتحديات طائفية نتيجة لبقاء الحوثيين في المعادلة السياسية والعسكرية ومشاركتهم في مستقبل اليمن. ما يعني ان هذا البلد مرشح لدورة جديدة من العنف الداخلي ستكون اشد تدميرا وتأثيرا واكثر دموية.

هذه المخاوف الايرانية يمكن تلمسها ايضا في التحذيرات اطلقها الكاتب السعودي عبدالرحمن الراشد في عموده في جريدة الشرق الاوسط يوم السبت الماضي (15/12/2018) عندما تحدث عن اسباب ضد انسحاب السعودية من اليمن، وتتلخص بالتحذير من ان اليمن سيدخل في حرب اهلية اعظم وسيصبح سوريا اخرى لجهة دخول ايران وحلفائها وفصائلها الى اليمن بشكل مباشر، وان الانسحاب من اليمن سيشكل مدخلا لانتشار جماعات «القاعدة» المسلحة، وستضطر الدول الغربية إلى إرسال قواتها لقتال التنظيم الإرهابي في اليمن، كما تفعل في العراق وسوريا وأفغانستان.

السابق
برعاية ملكيّة: السفير بخاري يحقّق أمنية طفلة «الفستان الأزرق»…
التالي
هكذا حلّت «الصاعقة» على «اللقاء التشاوري»