هل تبلّغ عون كامل «الرسالة الخطيرة» التي تلقاها من إسرائيل عبر واشنطن؟

احمد عياش

كان لافتا ما أعلنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره النمساوي الكسندر فان در بيلين ان اسرائيل أبلغت لبنان عبر الولايات المتحدة “ان ليس هناك من نوايا عدوانية ،وستستمر في العمل من داخل اراضيها ، ونحن ايضا لا نوايا عدوانية لدينا، وبالتالي لا خطر على الاستقرار على الحدود”.وقد أشاع كلام الرئيس عون أجواء مطمئنة تخفف من التوتر الذي أطلقته العملية الاسرائيلية المستمرة للكشف عن الانفاق التي أنشأها “حزب الله” على الحدود الجنوبية.فهل إقتصر ما نقلته واشنطن الى لبنان من إسرائيل على ما أعلنه رئيس الجمهورية؟
في معلومات ل”النهار” من مصادر ديبلوماسية ان اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو في بروكسل في الاسبوع الاول من الشهر الجاري رسم إطارا في المدى المنظور لما ستذهب اليه العملية التي أطلقت عليها تل أبيب إسم “درع الشمال” وهو ان تبقى الاجراءات على الجانب من الاسرائيلي من الحدود فقط ، وهذا ما أشار اليه بالضبط الرئيس عون بالامس.لكن هذه المساحة من العملية الاسرائيلية في المدييّن المتوسط والبعيد ، تنطوي على تحذير وصفته المصادر ب”الرسالة الخطيرة” التي بدأ الجانب الاسرائيلي يكشف عنها تباعا ،ما يطرح علامات إستفهام ما إذا كان لبنان الرسمي قد تبلغها بالكامل ، كما هو مرجّح ؟أما أن لبنان قد تبلّغ فقط ما أعلنه الرئيس عون؟

اقرأ أيضاً: هل تنجح إسرائيل بتدويــل «حرب الأنفاق»؟!

وتشرح المصادر المعطيات المتوافرة لديها فتقول ان وزير الخارجية الاميركي حرص على إبلاغ رئيس الوزراء الاسرائيلي أن المطلوب في هذه المرحلة عدم تشتيت التركيز على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران بدءا من الخامس من الشهر الماضي.وبالتالي ،فإن أي تطور دراماتيكي بين إسرائيل ولبنان من شأنه أن يحوّل الانظار اليه ، على غرار ما حصل في تموز عام 2006 التي شهدت حربا أشعلها “حزب الله” لكي يغطي إيران في عدم تقديم تعهدات في الملف النووي.وفي موازاة ذلك، فرض الجانب الاسرائيلي في محادثات بروكسل مقاربته لملف الانفاق على الحدود مع لبنان وهي تقوم على هدف مزدوج يتضمن كشفا لما بذله “حزب الله” من جهد بدأ قبل 12 عاما تحضيرا للحرب المقبلة ضد إسرائيل ، كما يتضمن توجيه رسالة الى الداخل الاسرائيلي الذي إهتز بعد المواجهات مع قطاع غزة والتي تسببت بخروج وزير الدفاع الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان من الائتلاف الحكومي .
وفي موازاة ذلك، ذكرت المصادر نفسها ان الاميركيين ليسوا غائبين عن صورة التحضيرات التي بدأتها إسرائيل لكي تخوض حربا ضد “حزب الله” ضمن الحرب الشاملة ضد إيران إذا ما تطور ملف العقوبات الى عمل ميداني.وفي هذا الاطار ، لا يقتصر الامر على ما تحضّر له إسرائيل ، بل يشمل أيضا ما قد يقدم عليه “حزب الله” بقرار إيراني يكرر ما حصل عام 2006.
لعل بعض ملامح من “الرسالة الخطيرة” المشار اليها آنفا ، ما قاله نتنياهو بنفسه عندما توعّد بالامس “حزب الله” بأنه “سيتلقى ضربات لا يمكن أن يتصورها، إن أخطأ وألحق الضرر بإسرائيل” وذلك خلال جولة تفقدية للحدود مع لبنان.
ما يميّز المرحلة الحالية أنها ستضع لبنان قيد الاختبار لكي يخاطب مجلس الامن الدولي بشأن أنفاق “حزب الله” التي وصفها رئيس بعثة “اليونيفيل” وقائدها العام ستيفانو دي كول بعد اجتماعاته مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري ب” الامر الخطير” داعيا الى معالجته وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي ينص صراحة على عدم السماح بإي نشاط عسكري لغير الدولة اللبنانية واليونيفيل ، مجددا التأكيد على وجود أنفاق.
بالطبع ، لا يزال الخطاب الرسمي المعدّ للاستهلاك الداخلي يتبنى موقف “حزب الله” الذي يقول ، كما ورد في موقع “العهد” الالكتروني التابع للحزب:”… بيان “اليونيفيل” يُثير السؤال عن مستوى الضغط الدولي والصهيوني الذي تعرّضت له قوات الطوارئ حتى تبادر وبسرعة البرق الى تنفيذ مهمة بدت فيها كمن يتبنى وجهة نظر واحدة، في وقت تُستباح فيه سماء لبنان بشكل شبه يومي من قبل العدو الصهيوني ويُخرق فيه القرار 1701 آلاف المرات، فيما لا نرى بيانات مماثلة. أكثر من ذلك، بدت إفادة “اليونيفيل” غير كاملة ومنقوصة، وفق ما يؤكّد اللواء عبد الرحمن شحيتلي لـموقع “العهد” الإخباري مشدداً على ضرورات تعزيز الإجراءات والتحضيرات الدفاعية عن لبنان. ”
من الواضح، وفق المراقبين ، ان يستمر مسلسل الانفاق في الاطار الذي يجري عرضه حاليا .لكن الخطورة التي تكمن فيه انه مفتوح على مشهد إقليمي بالغ التوتر ورد في كلام نتنياهو لوزير الخارجية الأميركية قبل لقاء بروكسل قائلا : “أتطلع إلى أن أبحث معك السبل للعمل معا من أجل صد العدوان الإيراني بالمنطقة، بسوريا والعراق ولبنان وفي أماكن أخرى …”
لم تفت المراقبين ملاحظة ان ما قاله الرئيس عون حول ما تبلّغه لبنان من إسرائيل عبر الولايات المتحدة جاء قبل ساعات من لقائه الوفد الرفيع ل”حزب الله” الذي ضم المعاون السياسي للامين العام الحاج حسين الخليل ورئيس كتلة “الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد.ولا يبدو ان رئيس الجمهورية فاتح الوفد بالتطورات المتصلة بالانفاق الجنوبية على رغم حراجتها مكتفيا ببحث أمر تأليف الحكومة. وتساءل هؤلاء متى سيقوم الجانب الرسمي بإجراء مصارحة مع الحزب الذي لا يمسك فقط بمقاليد تأليف الحكومة ، بل يمسك ايضا بمقاليد السلم والحرب في جنوب لبنان؟
لبنان بأكمله في مهب الخطر وليس الجنوب وحده.فهل سيقول الحكم أكثر ما قاله الرئيس عون؟

السابق
«العشق السري… المثقفون والرقص الشرقي» لمحمد الحجيري
التالي
أسرار الصحف الصادرة في بيروت صباح اليوم السبت 15 كانون الأول 2018