لنقرأ الفاتحة ونحضّر الجنّاز

نضال شهاب
هيا اقرؤا الفاتحة وحضروا الجنّاز فالصحافة في لبنان الى غياهب الموت حيث الظلم والظلمة لا بل الظلمات، وقبلهم الجلاد والسجان وقاضٍ بلا رأفة او شفقة أو حنان...

تعتلي الصحافة نعشها اليوم وتطوي صفحاتها بعد أن حاربت طويلاً قبل الإستئذان.
الصحافة الى الكتابة بالماء على ورق الهواء وجدران الفناء
كربان سفينة يغرق وتغرق سفينته في اليم، لا يعرف به أحداً ولا يٌحمل له جثمان.
تحدياتٍ وأزمات ومصاعب وإرهاصات، وصحافيٌ صامد، مجاهد، محارب في الجبهة والميدان.
أعياه التعب وأحسسه الجوع بالغثيان، مثقل الخطى يمشي كأم فقدت أبنها في الحرب وبات في خبر كان.
صحافة ترسم مقاتل يحمل قلمه بيمناه ومعوله بيسراه ليؤمن ما تيسر من قوتٍ لأولاده من فتاة الخبز وماء الحياة.
لن نكتب الشعر او الخطابة او النثر أو الغناء…
نكتب الماً يعتصر الفؤاد وينزف دماً في ماء اليم وحبر الهواء
نكتب رثاءً لحبيب، لشهيد، لوالد، لأم، لكهل، لطفل رضيع يعود عمره لأكثر من مائتي عام.
أوليس عمر الصحافة في لبنان يعود لأكثر من مائتي أو لثلاث مائة عام.
ننعي مريضاً لم يقوى طبيباً على تضميد جراحه فيتركه في غرفة الإنعاش بين الموت والحياة، ورأفةً به يطلق عليه رصاصة الرحمة علها تكون خلاصه من الألام والجراحات.
لجبران خليل جبران، لمي زيادة ،لإيملي نصرالله، لتوفيق عواد وسليمة ابي راشد….
نقدم أسمى أيات العزاء ونضع أكاليل الزهر على ضريح الجندي المجهول الذي يحمل إسم “الصحافة في لبنان”.

اقرأ أيضاً: صرخة «قلم النهار» في وجه الأزمات !

جبران، ماي، توفيق، سليمة، ايميلي… لا أعرف من أين وكيف سأخبركم بأن “لسان الحال” قد انقطع وبأن “السفير” قد استقالت و”الحياة” لا حياة فيها وبأن “الأنوار” قد انطفأت و”البيرق” لم نلمح بريقها منذ سنين…
لا أعرف كيف سأخبركم بأن “المحرر” باتت مقيدة و”التلغراف” لا زالت في صندوق الإرسال و”صدى لبنان” لم يُسمع لها صدى منذ وقتٍ طويل وبأن “نداء الوطن” قد أُخرست و”الصياد” كسرت سنارتها وتمزقت شبكتها.
أتعرفون يا كرام بأن “الدستور” لم تعد حتى حبراً على ورق وأن “بيروت المساء” تنام قبل غروب الشمس وتلتحف الأهات والويلات…
أتعرفون أن “جريدة اليوم” باتت تجهل أن العام فيه 365 يوماً ولا تعرف بأننا انتظرناها طويلاً لتطل علينا ولو ليومٍ واحد، أخبرناها مراراً أننا مللنا الإنتظار ، أتعرفون ما كانت تجيب عند السؤال ” لقد اضعت رزنامة الوقت وبوصلة العام ولم أعد أعي كيف أجمع الحروف في جدول اليوم أو الوقت أو حتى المسافات”.
أتسألونني عن “العرفان” لقد أصبحت في خبر كان.
أتسألونني عن “الحوادث ” كثيرةٌ جداً في وطني وإنما الجريدة اليوم تنام، تنام نوماً عميقاً لا استيقاظ منه بعد الآن.
تسألونني عن “صوت العروبة” لا ، لم نسمع بها منذ عقودٍ وأزمان ،وهل كان للعروبة صوت في أن؟
تسألونني عن “الأحد” و”الإثنين” و”الأسبوع العربي”… شأنهم كشأن اليوم لا حس لهم ولا خبر ولا ديوان.
عن من وماذا ستسألون ، أتسألون عن دور النشر في لبنان، دور النشر يا كرام تلملم ما بقي من أوراقٍ مبعثرة على الأرف وفي الأدراج وتتقاعد قبل فوات الأوان.
معرض الكتاب؟ نعم لا زال موجوداً وإنما بخجلٍ كبير، فيه بعض الكتب وتأمه الزوار للتفرج والتقاط الصور مع المؤلف او للإلتقاء مع الأصحاب.
أتسألون عن السبب، أود أن أخبركم أولاً بأننا اليوم في القرن الواحد والعشرين ونواجه العديد العديد من الأزمات والسبب الأبرز ألذي ضرب الصحافة المكتوبة بسيف مسنون ومسموم هو التطور التكنولوجي وخدمات الأنترنيت المباحة لأي كان، ففيها ما يصلح للقراءة وما هو عارٍ عن الصحة والبيان، ولا يوجد أي دعم أو مساندة لإستمرارية الصحافة والإعلام.
لم أسمع جيداً ماذا قلتم، أتطرحون علينا حلاً يتمثل بتشكيل تكتل عربي لدعم الصحف العريقة والمطبوعات في المنطقة؟
ألا يجب أن يكون هناك وحدة عربية كي نشكل هذا التكتل؟
ألا تعرفون أنه لكل وسيلةٍ إعلامية دولة عربية أوغير عربية تقدم الدعم بهدف القدح والذم والشتم وإلقاء التهم والبهتان …
تسألونني عن المطابع والكتاب؟
نعم، أعرف أن الكتاب كان يكتب في مصر ويطبع في لبنان ويقرأ في العراق، ولكن هذا كان قبل أن ترتفع اسعار الورق وخدمات الطباعة… وقبل أن تتدهور الحالة الإقتصادية التي منعت المواطن من شراء الكتب والمطبوعات.
بماذا نشغل وقتنا اليوم؟
اخجل من الجواب، فمعظمنا يا كرام ينشغل بالتلهي عبر وسائل التواصل الإجتماعي لإدراج صورة “سيلفي” والتعليق على صورة هذا وذاك ومعرفة أخبارٍ أتفه من التفاهات.
عذراً يا كرام فقد أقلقت منامكم، عودوا الى سباتكم فنحن نحسدكم بأنكم لم تعايشوا تلك الأيام، ومعكم قريباً سنكون فالجوع والألم لن يطيلا بنا العمر لنرى ولو خيط أملٍ أو قارب نجاة.

السابق
حادث مفجع يودي بحياة بالفنانة المصرية غنوة….
التالي
هكذا ردّت غادة عويس على من هدّدها