انحطاط الخطاب السياسي في لبنان: لغة كراهية وشتائم وانحدار اخلاقي

القمع
من يتحمل المستوى الذي وصل إليه الخطاب السياسي في لبنان؟!

في بلد كـ”لبنان”، ليس غريباً أن تسقط لغة التخاطب إلى القعر، هذه اللغة التي تستهدف كل من يعارض السلطة، ويسلط الضوء على ملفات الفساد المتراكمة.

فالديمقراطية اللبنانية، والحق القانوني في المحاسبة والمساءلة، هما مسلمتان يكفلهما الدستور ويقمعهما السياسيون، وهذا ما رأيناه جلياً في المرحلة الأخيرة. إن في التهديد والترهيب والاستدعاءات التعسفية والعشوائية أم في التعرّض والتعريض!

وفي مراجعة للسنوات الثلاث الأخيرة في السياسة اللبنانية، نلحظ مستوى غير مسبوق من الخطاب المتدني، مستوى لم يترفع عنه حتى رئيس الجمهورية نفسه يوم كان رئيساً للتيار الوطني الحر.
كذلك سجلت هذه السنوات ولاسيما بعد وصول الرئيس ميشال عون إلى قصر بعبدا، موجة من التوقيفات والإرغام على توقيع التعهدات على خلفية الرأي الفيسبوكي والتويتري، وترافق ذلك مع محاولة إرساء مفهوم جديد للحرية، مفهوم يؤكد على أنّ الرأي الذي لا يوافق السلطة، هو رأي مشيطن، يُراد منه غايات مشبوهة. وانطلاقاً من هذه النظرية الهجينة على “الحرية” رفع أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة في لبنان، عصا “القمع”، فأي معارضة كانت المراد منها – بحسب العهد- استهداف النجاحات والإنجازات والبطولات، وأي مساءلة في اي ملف كان هي جريمة، والقضاء “غب الطلب” في هذا الملف، فيدار كما يشاء أصحاب الكراسي أو لنقل كما تدار كراسيهم.

اقرأ أيضاً: الناشطون في لبنان: استنسابية في القمع وفي تطبيق القوانين

إلا أنّ ما وصلنا إليه أخيراً في “التواصل”، في بلد هو “الأول” في سرطانه، في بلد ما زال يبحث عن الحلول للكهرباء والنفايات والمياه، لم يعد يكفي كما يبدو، لتخرج بعض الأبواق، رامية المعترض بشرفه وعرضه وبأدبيات ساقطة بكل مقوماتها!
ولعل الساخر أنّ من بين الذين يطلون علينا حالياً بهذه اللغة، محامٍ لم يفقه من الحقوق إلا تلك التي تحصن ذكوريته، أما الثاني فهو ملحن أكل من صحن السلطان، فخانه رقي الفن، وبات في حضيضه يتخبط!

الدكتورة والباحثة منى فياض تؤكد في هذا السياق في حديث لـ”جنوبية” أنّ “المستوى بشكل عام منحط”، مشيرة إلى أنّ البلد ذاهب نحو الانحدار دون أي قعر، فمنظومة القيم باتت “مخلخلة”.


وتتابع فياض موضحة أنّ “المسؤولين عن الشعب اللبناني يبررون بكل وقاحة أفعالهم بأعذار واهية. فالـ40 مليون دولار التي دفعناها خلال أعوام على الكهرباء على سبيل المثال، كفيلة بإضاءة الكرة الأرضية ومع ذلك هناك إصرار على البواخر”.
وترى فياض أنّ “انحدار الخطاب ليس جديداً على السلطة ولا على التيار الوطني الحر، فهناك فيديوهات للرئيس ميشال عون تذكرنا بالذي كان يقوله وباللغة غير المعتادة التي كان يستعملها”، متابعة “أما بالنسبة للنائب بولا يعقوبيان وما تعرضت له مؤخراً، فإنّ هذا الموقف، هو الموقف الأخلاقي التقليدي العربي، فالمرأة بماذا سينتقدونها ويتهمونها بغير الشرف والعرض والناحية الجنسية. كلام جوزيف أبو فاضل في النهاية هو اتهام بالسلوك الأخلاقي بالمعنى الجنسي”.

غير أنّ فياض لفتت في السياق نفسه إلى أنّ “هذا الخطاب العربي التقليدي، لم نسمعه بأيّ دولة عربية. إذ لا يمكن لأي شخص يصنف نفسه أنّه محترم أن يتحدث بهذه اللغة غبر شاشة تلفزيونية. المفارقة هنا أنّه استخدم الموقف التقليدي الذي يستخدمه ابن الشارع وليس المسؤولين، إذ لم يسبق لأي شخصية عامة في أيّ دولة عربية أن قالت مثل هذا الكلام بحق سيدة في البرلمان منتخبة من قبل الشعب”.

وأشارت فياض إلى أننا حين نرى أين أصبح الواقع اللبناني ونسب السرطان والمجارير التي يشربها المواطن، وكيف يكذب المسؤولون علنًا ويتهمون بعضهم بالسرقة، لا يمكن أن نستغرب بعد ذلك إن استخدموا الشرف والعرض والجنس، معلقة “لا يمكن أن نهتم بالفساد الأخلاقي بعيداً عن الفساد المالي، فالفساد المالي يأخذ البلد للانهيار، وهذا الخطاب الذي نسمعه بات متوقعاً في هذا البلد الذاهب نحو الانحدار والانحطاط بالقيم على كل الأصعدة السياسية والأخلاقية والجنسية”.

وفي الختام أشارت فياض إلى أنّ هذا الواقع هو برسم الشعب اللبناني، متوقعة أنّه سيأتي الوقت الذي تنفجر فيه إن لسبب داخلي أو خارجي.

اقرأ أيضاً: من باسيل الى المشنوق: سيرة قمع الناشطين وسجنهم

من جهة أخرى، أكّد المسؤول عن الاعلام في “مؤسسة سمير قصير” جاد شحرور، أنّه “خارج البزار السياسي الإعلامي واللغة المتداولة، نحن ضد خطاب الكراهية بشتى أنواعه خصوصاً إذا كان يطال كرامات الناس. فكيف إذا كان هذا الخطاب يحقر المرأة ويتهمها اتهامات باطلة ويستخدم لغة ضدها غير محترمة”.

 

وأشار شحرور إلى أنّ “النظرة الدونية للمرأة لغة متواصلة في الإعلام السياسي بغض النظر أي حزب يستخدمها، وهي أساساً موجودة وليس فقط على صعيد اللغة، بل حتى على صعيد الثقة بأن تكون المرأة قيادية ولها دور بالعمل السياسي”.
وأوضح شحرور في الختام أنّه “لا يمكن لأي طرف أن يحدد الحقل المعجمي لأي شخص ثاني. هذه ثقافة الناس، والخلفية الاجتماعية هي التي تحدد كيف يتعامل الشخص مع الاخر إن كان ذكراً أم أنثى. غير أنّه بات واضحاً في لبنان أنّ هناك هذا النوع من اللغة والنظرة الدونية للمرأة واستخدام كلمات نابية عندما يكون الموضوع لانتقاد عملها. فبدلاً من أن يكون النقد مهنياً يتم الذهاب نحو الشق الشخصي وهذه لغة مرفوضة بالنسبة لنا”.

السابق
ريفي يعلن تضامنه مع سيدة الجبل
التالي
المشنوق استقبل أبو الحسن: إتفقنا على تنفيذ استنابات القضاء لحماية الليطاني