زحلة اصبحت بلا «بردوني»: من جفّف النهر وسرقه؟ ‎

نهر "البردوني" في زحلة تحوّل الى مجرى جاف، مع سؤال عن السبب، هل هو بفعل عوامل الطبيعة ام سوء ادارة البشر؟ "جنوبية" استطلعت ميدانا النهر وجالت على المعنيين للاستفسار عن حاله.

الناظر للوهلة الاولى الى مجرى نهر البردوني الجاف في زحلة يعتقد انه واد صغير نبتت في جوانبه الاعشاب والنباتات البرية، لكن من اعتاد على رؤية حيوية النهر وتفجّر مياهه الفوارة، يستهجن ويتحسّر على حاله.

فالنهر الذي تغنى به الشعراء واهل الطرب لم يعد مصدر الهام لهؤلاء، وان شكّل قيمة جمالية مضافة للوحة رائعة ترسم معالمها بالصخر المنحوت في سفح الجبل ، او كما يحلو للبعض تسميتها بـ”الجنة المعلقة على كتف البردوني”، ذلك ان جفاف النهر لم ينتقص من روعة المكان وسحره ولم يردع رواد المكان ومحبيه من التنزه في الممر الملتوي الذي ينحدر من اعلى الوادي نزولا، محاطا بالمطاعم والمقاهي وطيبة ورقي المشرفين عليه.

ونهر “البردوني”   يجتاز قرية قاع الريم ثم وادي العرائش وصولاً إلى مدينة زحلة حيث يصب في نهر الليطاني، هو معلم  طبيعي يلتصق اسمه بالمكان.

وفي جولة لـ”جنوبية” في محيط النهر لاستطلاع آراء الرواد واصحاب المطاعم، أبدى الجميع أسفهم، ولكن مع اصرارهم على ان الوضع بخير و”ماشي الحال” وان اول الغيث سيأتي مع هطول الامطار لتنفرج حال النهر .

السيدة فريال قريطم مديرة ومسؤولة مطعم “قريطم”، التي استقبلتنا بابتسامة وبكثير من التفاؤل اكدت ان “الجفاف هذا العام استثنائي، وان الناس تأتي الى البردوني حيث “القعدة الحلوة” والهواء المنعش و”اللقمة الطيبة” مؤكدة ان “الاقبال واسع على المكان فالموسم هذا العام كان جيدا” وقد أملت قريطم ان” يأتي موسم الامطار والخير ويحمل المياه لمجرى النهر”.

إقرأ أيضاً: الليطاني «مجرى الموت» (3): الحلول برسم الهدر لا طائل منها!

من جهته، السيد وليد الشيخ صاحب احد المقاهي اعتبر ان “النهر جزء من صورة جميلة وشح المياه لم يؤثر على جماليته” مؤكدا ان “شح الامطار العام الماضي ادى الى انخفاض منسوب النهر وجفافه”.

مدير تلفزيون زحلة المخرج جوزيف شعنين، اكد في حديث لـ”جنوبية ” قيام فريق متخصص بأبحاث حول وضع النهر” مشيرا الى “نجاحهم سابقا  في رفع الصرف الصحي والتلوث عن النهر، ولكن بعد عدة تحركات شعبية” واضاف “مما لا شك فيه اننا في شهر جفاف تجف فيه المياه، ولكن هناك نسبة 60% من مياه النهر اختفت ، وذلك بعد عملية فاشلة لمحاولة تقويته في التسعينيات ارتدت عكسيا.فبدل ان تساهم في تقويته، غارت المياه في جوف الارض نتيجة الضغط المفتعل الذي ادى الى تكسر الطبقة الكلسية، وقد تم التأكد من تحوّل المياه الى جديتا من خلال “التلوينة” التي وضعت في المياه، وهناك جزء 20% تستخدمه مياه زحلة لري المزروعات”.

من جهة اخرى، قال شعنين ” قام اهالي قاع الريم بسحب المياه من النبع من خلال قساطل بعد ان انخفض منسوب مياهه خاصة وانه بحكم الجاذبية تتحول المياه باتجاه اراضيهم، وربما يعتبرون هذا حقهم”.

وتابع شعنين “ربما سيرتفع مرحليا منسوب المياه بعد هطول الامطار ولكنه سيبقى عبارة عن  ساقية بسبب جفاف المياه من النبع ، وجاء التعاون بين شركتي البردوني والبيبسي لصالح مياه الـ”اكوافينا” التي تعتمد مياه البردوني بشكل اساسي ليزيد الطين بلة ، بالإضافة  الى معملي الريم والبردوني هم يحفرون الابار على منبع النهر”.

وختم شعنين “لا يمكن توصيف الواقع سوى انه “سرقة” لمياه النهر، ولدينا احباط  من مطالبة  الجهات الرسمية ولم نعد نلجأ اليها، وعلى الاغلب، فاننا سوف نعتمد على التحرك الشعبي والاعلامي لاسترداد مياه النهر”.

رئيس بلدية زحلة اسعد زغيب اشار في حديث لـ”جنوبية” انه كمهندس قبل دوره البلدي يرى خللا كبيرا وراء جفاف النهر وليس بالضرورة سببه عوامل طبيعية، وبالإضافة الى عدم احترام  التوزيع العادل بين المستفيدين من مياه النهر هناك مسألة المعامل التي اقيمت على منبع النهر، فمصنع الـ”ميموزا” لصناعة الورق بدلا من ان يأخذ حصة 10% هو يحصل على عشرة اضعاف الكمية، نظرا لحاجة تلك المعامل الى الاستهلاك الكبير للمياه”.

واكد زغيب “بدء تحرك بلدية زحلة بعد حصولها على معلومات مؤكدة عن انخفاض منسوب المياه مع شح معظم الابار في المنطقة” لافتا الى ان “هناك  نهر “عنتر” في الفرزل والمعروف عنه عدم جفافه مهما كان حال موسم الامطار مترديا، لكنه هذا العام جفّ”.

إقرأ أيضاً: استمرار تلوث الليطاني يحوّل برالياس الى بلدة منكوبة

واذ اكد زغيب اننا في ” مرحلة تسوء فيها سلطة الدولة ولا من رقيب او محاسب ولا يطبق النظام  وحيث ان “الفاجر يأكل مال التاجر”، اصبح الوضع في البلد غير منضبط، ولكن سوف نعمل على اعادة توزيع حقوق النهر بشكل عادل بين الجهات المستفيدة من مياهه وكمدينة زحلة لنا حقوق في هذا النهر”.

واشار زغيب الى انه “في العام 2004  وضعنا دراسة لمشروع تغذية مياه النهر في حال شحّه نتيجة عوامل الطبيعة وانخفاض نسبة الامطار، ولكنه لم ينفذ  نظرا لبطء تنفيذ المشاريع ، وفي 15 تموز من كل عام يتحول النهر الى ساقية وتقلّ مياهه حتى بدء موسم الامطار، ولكنه لا يجف كليا كما حصل هذه السنة”.

“جنوبية” حاولت الاتصال برئيس بلدية قاع الريم السيد وسام تنوري ولكن دون طائل، على أمل نجاح اتصالنا معه في المستقبل لمعرفة مزيد من التفاصيل حول اسباب جفاف نهر البردوني وما يُحكى حول تحويل المياه من النبع .

السابق
المديرة العامة للطيران المدني زودت الضابطة العدلية بالاتفاقية الموقعة مع sita
التالي
بعد 17 عاما على 11 أيلول.. هل ستُكشف أسرار هذا اليوم؟