الطفولة والمسؤوليّة المبكرة للعلاّمة الأمين

السيد محمد حسن الامين شمالا

* تولّيتم المسؤوليّة العائليّة مبكراً، وشرعتم بدراسة العلوم الدينيّة في سن مبكر أيضاً، وكأنّكم لم تعيشوا طفولة مريحة، بل دراسةً وتحصيل، فالقدر شاء بوفاة والدكم في صغركم، وعقبها مباشرة بدأت هجرتكم العلميّة؟
من الطبيعي أنّ لكلّ فترة أو مرحلة من مراحل الحياة طابع خاص، وإذا كانت الطفولة هي المرحلة الأولى، فإنّها أيضاً تنقسم إلى قسمَين، أحدهما: مرحلة الطفولة المبكّرة، وهي التي يعيشها المرء بدون أي مسؤوليّات، سوى الخضوع لأشكال التأديب الأوليّة من قبل الأهل، وهي محدودة بطبيعة الحال، وهناك المرحلة الثانية التي تبدأ بعد عمر السبع سنوات، فهي ما تزال في سن الطفولة والتهيّؤ لسن الصبا.

اقرأ أيضاً: بداية تعمُّم السيد محمد حسن الأمين

بالنسبة لي شخصياً فإنّ المرحلة الأولى كانت طبيعية، وككل مرحلة يعيشها الأطفال قبل دخول المدرسة، وتحمّل مسؤوليات تلقي العلم والدروس، وربما تميّزت هذه المرحلة بالنسبة لي في الأسرة بأنّها كانت مرحلة لم يحظَ فيها الكثير من الأتراب، فأنا كنت الذكر الوحيد للوالدين حتى سن العاشرة، التي وُلد فيها أخي الصغير.
ولكن أذكر أنني في سن السابعة شعرتُ بأنّ المعاملة معي من قبل الأب بدأت تتغير نوعاً ما لجهة التشدد في مسألة التربية والتأديب، كما لاحظتُ أنني في هذه السن فُرِضَ عليّ ـ ولكن ليس على نحوٍ قاس ـ تلقّي بعض المعارف والعلوم البدائيّة، خاصّة في مجال اللّغة والنحو وحفظ بعض السّور القصار من القرآن الكريم.
وبالرغم من الالتزام بالمدرسة الرسميّة فإنّ الوالد ظلّ حريصاً على أن أتلقى منه الدروس الخاصّة حتى سن متقدّمة، أي حتى سن الصبا، أي في السنة التي توفّي فيها الوالد.
ولا أريد أن أدّعي أنّني كنتُ محروماً من الحريّات النسبيّة، التي يتطلبها هذا السن، حتى أنّني تمكّنت ـ مثلاً ـ من عادة تدخين التبغ، وطبعاً بشكل سرّي منذ الثانية أو الثالثة عشر من سني، تأثراً بأترابي ـ أي بأبناء جيلي ـ ولكنني بصورة عامّة، وبسبب الالتزامات التي ذكرتها بلغت شيئاً من النضج العلمي والديني مبكراً بحيث أنني عندما سافرت إلى النجف، وفي هذه السن بالذات وجدتُ أنني كنت قد قطعت مرحلةً هي المراحل الأولى التي يحتاجها طالب العلم، فسهّل عليّ تجاوز هذه المرحلة، كما هوّن عليّ استيعاب وتفهّم المراحل الأعلى في مجال الدراسة.

الأمنية التي لم تتحقق)
السؤال: في هذا السياق، هل كان لديكم أمنية معيّنة كنتم تتمنون لو أنكم حققتموها في حياتكم؟
عندما يوجّه هذا السؤال للكثيرين فإنّ الأجوبة التقليلدية هي أنني ما ندمت على شيء لم أفعله في حياتي؛ أمّا أنا فلا أكون متحفّظاً، بل يجب أن أكون صريحاً في أنّ كثيراً من الأشياء كان يجب أن أحققها ولم أفعل.

اقرأ أيضاً: التكافل الاجتماعي ورعاية الأقارب في النجف

وفي إطار المسألة العلمية الدينيّة فهو أنّي كنتُ قادراً أن أحفظ القرآن الكريم بكامله ولكنّي قصّرت في ذلك، وهذه نقطة ضعف لم أكن أتمنى أن أكون سبباً في وجودها.
كان عليّ أن أنظّم جهدي الفكري والعلمي على نحوٍ يمكنني من إنتاج رؤية جديدة للإسلام وللكون وللعالم في ضوء القرآن الكريم، وإعمال ما أعتبره مواهب عقلية لا أتواضع في القول أنّني لا أملك الكثير منها، بل أشكر الله على ما وهبني في هذا المجال.
وفيما تبقى من أمور فإني أعتقد أنّ الإنسان لا يصنع قدره بإرادته وبتصميمه، وإنما هناك ظروف وملابسات قد يكون لها الدّور الأكثر تأثيراً في صنع شخصية الإنسان ومصيره.

(من كتاب “أمالي الأمين” للشيخ محمد علي الحاج العاملي)

السابق
ريما حميّد: كانت فرصة للتواصل المباشر مع الناس
التالي
حجّ المسؤولين اللبنانيين إلى سوريا: الحجّة إعادة الإعمار أو تعويم النظام؟