السويداء تدين الأسد

أياً كانت التفسيرات التي يمكن اعتمادها في فهم أسباب وأهداف ما حدث في السويداء، فإنها في حدودها الدنيا، تُسقط مقولة النظام كحامي للأقليات، وتؤكد عدم كفاءته. وفي حدودها القصوى، تثبت استحالة التعايش مع بربرية النظام ونزعته للانتقام والسيطرة المطلقة.

ما يزال من الممكن أن نسمع أصواتاً من جبل العرب، تدافع عن نظام الأسد، وتقول إنه لا يمكن أن يكون مسؤولاً عن البربرية التي وقعت في الساعات الأخيرة داخل مدينة السويداء، وفي قراها الشمالية والشرقية. لكن تلك الأصوات تعجز عن تبرير فشل النظام في صد هجوم متوقع منذ مدة، من جانب داعش. بل، ودوره في نقل مقاتلي التنظيم المتطرف إلى حدود المحافظة الشمالية – الشرقية. ومن ثم، سحب قواته العسكرية من تخوم المحافظة، بذريعة مكافحة “داعش” في حوض اليرموك، وترك تلك التخوم في قبضة ميليشيات محلية قليلة العدد وضعيفة التسليح والخبرة. وذلك رغم تكرر التحذيرات مراراً من أن مقاتلي داعش قد يتقدمون من داخل البادية إلى المحافظة.

اقرأ أيضاً: بشّار… وتطويع الدروز

إذا اعتمدنا وجهة نظر تلك الأصوات، فإن نظام الأسد يتمتع بانعدام الكفاءة. ولا يملك رؤية عسكرية كفيلة بحماية المدنيين، الذين كانوا وقود هجمة “داعش” الأخيرة، وبصورة مُروّعة.

وحتى الأصوات الأخرى التي تربط ما حدث، بمؤامرة خارجية لتعزيز النزعات الانفصالية لدى فريق من السوريين، والدفع بها نحو حدودها المرجوة، لتنفيذ ترتيبات تقسيمية للبلاد، وفق صيغ إدارة لامركزية موسعة، نصت عليها مقترحات الدستور الروسي.. حتى تلك الأصوات، تقرّ بأن نظام الأسد فشل كحامي للأقليات. بل هو يدفع تلك الأقليات للتقوقع على ذاتها، والتفكير بسبل حماية أمنها، بأدوات ذاتية. أي أنه يدفعها للتأسيس، لكيانات شبه منفصلة.

وبخلاف الرأيين السابقين، كان الرأي الغالب على نشطاء جبل العرب، حتى من بعض الموالين، أن النظام يتحمل مسؤولية أحداث السويداء، عمداً، وليس سهواً. فأن يرسل الروس ضابطاً للتفاوض مع وجهاء الجبل، قبل أيام فقط، كي يُلحقوا أبنائهم بالخدمة العسكرية، وكي ينزعوا أسلحة مقاتلي “الكرامة”.. وبعيد ذلك، تهاجمهم “داعش”.. يعني ذلك ببساطة، أنها رسالة “أسدية”، وربما أيضاً، روسية، في إطار التفاوض لنزع سلاح المتمردين على سلطة نظام الأسد في جبل العرب، وإلحاق أبنائه المتهربين من الخدمة العسكرية، بالجبهات الملتهبة أو التي في طريقها للاشتعال.

إنها عقلية النظام السوري، الذي لا ينسى التمرد عليه في اللحظات العصيبة. قد يمرر ذلك التمرد الى حين، لكن في الوقت المناسب، يجب القيام بإجراء تأديبي، كي لا يتكرر التمرد مرة أخرى. فالعودة إلى “بيت الطاعة الأسدي”، الذي يسمونه “حضن الوطن”، يجب أن يمر بـ “تسوية وضع”، أقرب إلى “التوبة”. وفي حالة جبل العرب، الذي وقف معظم أبنائه على الحياد، قدر المستطاع، خلال سنوات الحرب بين الأسد والثائرين عليه، لا بد اليوم من العودة فيه، إلى “بيت الطاعة”، والخضوع دون أي مساومات.

هذا ما رفضه “شيوخ العقل”، حسب ما تسرب من مفاوضاتهم الأخيرة مع الروس. فقد قدّموا مجموعة مطالب، أبرزها، أن يخدم أبناؤهم، المطلوبون للجيش، داخل محافظتهم. وأن تتم تسوية أوضاع الفارين منه، عبر قرارات تسريح. وأن يتم نزع سلاح مقاتلي “الكرامة” من العيار المتوسط، مع إبقاء السلاح الخفيف بين أيديهم. تلك المطالب قابلها المفاوض الروسي، برحابة صدر، ووعد بردٍ سيتم خلال أسبوع. وقبل أن ينتهي الأسبوع، جاء الرد، بأيدي “داعش”، وليس بلسان الروس. هذا ما يقوله الكثير من نشطاء السويداء، والمطلعين على التطورات الأخيرة فيها، قبل المجزرة المروعة.

وفي الختام، فإن التفسيرات الثلاثة السابقة لما حدث في السويداء، تدين نظام الأسد. فهو إما عديم الكفاءة، بصورة تهدد حياة المدنيين، وإما سبباً لدفع الأقليات إلى التفكير بالمزيد من التقوقع والخطوات الانفصالية. وإما، بربري، منتقم، يريد سيطرة مطلقة، لا وجهاء يحدّون منها، ولا شيوخ عقل يناقشونها. إنها “سوريا الأسد”، في أغلب الظن. وليس أقل من ذلك.

السابق
نحو فرض حلّ في سورية بإرادة روسية – أميركية
التالي
كيروز: لبنان لا يمكن إلا أن يكون وفياً لعلة وجوده في الحرية والتعددية والعدالة