قصة «المرسوم المهرب» الذي سخرّ أجهزة أوجيرو للشركات الخاصة (1)

اوجيرو
من بعد مرسوم التجنيس وتهريبه، ها هو مرسوم جديد "مهرّب" يتم نشره في الجريدة الرسمية مع تفاجؤ بعض الوزراء!

مع تحوّل الجريدة الرسمية إلى “مدفوعة” برسم 550 ألف ليرة لبنانية سنوياً، بات تمرير القرارات دون أي ضجيج إعلامي أكثر مرونة بالنسبة للطبقة السياسية التي أثبتت في عهدها الجديد أنّ هناك توأمة بينها وبين المراسيم “المشكوك بها”!

وفيما القبعة السلطوية التي استلمت قيادة الحكم في لبنان، مليئة بأرانب المحاصصة، ها هو أرنب جديد، يطفو على الساحة، بمرسوم حمل الرقم 3260 ونشرته الجريدة الرسمية في عددها الصادر بتاريخ 14 حزيران 2018.
وينص المرسوم المعنون بـ “تحديد الإطار العام لتنظيم ادخال خدمات نقل المعلومات والانترنت الفائقة السرعة بواسطة القطاع الخاص، والأصول الواجب اتباعها للسماح للشركات المرخصة للبنى باستعمال البنى التحتية العائدة للوزارة من أجل تأمين هذه الخدمات” على:
1- إعطاء الشركات المرخصة لها قانوناً بموجب مراسيم تأمين خدمات نقل معلومات والحاصلة على قرارات بتجنيد تراخيصها وفقاً للأصول، حق الترابط والمرور على الشبكة المحلية التابعة للوزارة (..).
2- تحديد الشروط الفنية والإدارية المتعلقة بحق الترابط والمرور (..) الذي يشكل إطاراً عاماً للشروط الأساسية لتقديم الخدمات وآلية وكيفية استعمال البنى التحتية العائدة لوزارة الاتصالات.

اقرأ أيضاً: التخبط في التعامل مع «مرسوم التجنيس» يؤخر جهود تأليف الحكومة

وفي ملحق رقم 4، للمرسوم 3260، يتم تفصيل بند «تحديد الإطار العام لتنظيم إدخال خدمات نقل المعلومات والانترنت الفائقة السرعة بواسطة القطاع الخاص والأصول الواجب اتباعها للسماح للشركات المرخصة باستعمال البنى التحتية العائدة للوزارة من أجل تأمين هذه الخدمات».

هذا ويتعارض المرسوم الصادر مع قرار مجلس شورى الدولة الصادر بتاريخ 19 كانون الثاني 2018، والذي نصّ على وقف تنفيذ قرار وزير الاتصالات جمال الجراح الذي سمح لشركة جي دي آس تمديد شبكات الفايبر أوبتك في مسالك الدولة وبعد قراره المماثل لصالح شركة وايفز، حيث كان مجلس الشورى قد اعتبر أنّ شروط وقف التنفيذ متوافرة فمراجعة اوجيرو والاتحاد العمالي ضد القرار قد تضمنت أسباباً جدية لوقف التنفيذ كما بينت الضرر اللاحق جراء التنفيذ.
وقد بينت المراجعة الضرر اللاحق بالمال العام والهدف غير المسبوق لصالح منافع خاصة على حساب المنفعة العامة، إضافة إلى إلحاق الضرر بهيئة أوجيرو وموظفيها وعمالها.

إلا أنّ اللافت في هذا المرسوم المهرب والمناقض لقرار مجلس شورى الدولة هو توقيعه من قبل كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير المالية علي حسن خليل في تاريخ 12 حزيران، أي في مرحلة تصريف الأعمال؟ فهل يحق لحكومة تصريف الأعمال أن تصدر هكذا مرسوم؟
في هذا الشأن يميز الخبير الدستوري والقانوني المحامي انطوان سعد بين مراسيم تسيير الأعمال العادية، والمراسيم المتعلقة بعمل تصرفي يفرض مسؤوليات على الحكومة والوزير.
فيوضح سعد لـ”جنوبية”، أنّ من حق الحكومة إصدار مراسم تسيير الأعمال العادية، لا المراسيم التصرفية!

ليتابع عند سؤاله عن المرسوم الذي نشرته الجريدة الرسمية في 16 حزيران ويحمل رقم 3260  “هذا المرسوم إذ كان ينشئ حقوقاً جديدة، فهو معرض للإبطال. ويجوز الطعن فيه”.

في المقابل كان الصحافي ايلي الفرزلي قد توقف عند هذا المرسوم في مقال نشره في جريدة “الأخبار اللبنانية”، ولفت الفرزلي في مقاله إلى أنّ هذا القرار لم يتم الإشارة إليه في البيان الرسمي الصادر عن مجلس الوزراء بعد الجلسة والذي تلاه الوزير بيار بو عاصي.
وتساءل الفرزلي إن كان القرار قد طرح من الأساس في تلك الجلسة، مستنداً في شكوكه هذه إلى تفاجؤ 4 وزراء عند سؤالهم عنه!

وفي مطالعة مفصلة حول هذا المرسوم والشكوك المثارة حوله، أكّدت مصادر مواكبة لملف الاتصالات والملابسات المحاطة بهذا القرار لـ”جنوبية” أنّ “أول ما يستوقف المراقب لملف الاتصالات في ضوء صدور المرسوم رقم 3260 تاريخ 12-6-2018 قبل الولوج إلى دراسة شرعية هذا المرسوم – هو الظروف التي واكبت صدوره والتي تطرح أكثر من تساؤل وترسم اكثر من علامة استفهام”.
وتابع المصادر:

“يستفاد من بناءات المرسوم أنّ مجلس الوزراء أعطى موافقته عليه في الجلسة المنعقدة بتاريخ 26/4/2018 وذلك أمر وإن بدا للوهلة الأولى عادياً غير أنّ التدقيق في توقيت الجلسة من جهة أولى وفي آلية عرض الموضوع على مجلس الوزراء من جهة ثانية وفي مدى صحة حصول هذا العرض من جهة ثالثة يستوجب التوقف طويلاً بالفحص والدرس لاستخلاص عبر لا بد من أن تتوقف عندها حكومة العهد التي توضع حالياً اللمسات الأخيرة على تشكيلتها وذلك فور انعقاد اول جلسة لها”.
وأضافت المصادر “أما في ما خص توقيت الجلسة، فلا يمكن للمراقب إلا وأن يستوقفه أن تكون الجلسة التي تمّ فيها تحديد مصير قطاع الاتصالات برمته هي آخر جلسة قبل الانتخابات النيابية ولم يتم الإعلان عن ذلك الأمر بعد انتهاء هذه الجلسة في حينه على الرغم من أهمية هذا الامر. هل كان يخشى من ردة فعل شعبية أو إعلامية على هكذا قرار كان من الممكن أن تنعكس في صناديق الاقتراع؟ هل يشكل هذا المرسوم النسخة الثانية في الشكل لمرسوم التجنيس الذي تم التكتم عليه الى ما بعد الانتهاء من الانتخابات النيابية؟”.

وأوضحت المصادر أنّه “في ما يتعلق بآلية العرض على مجلس الوزراء، فإنه من المؤكد أن هذا المرسوم لم يكن مدرجاً على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء التي اتخذ فيها قرار الموافقة على المرسوم وذلك لتمكين الوزراء من دراسة مضمونه قبل إعطاء الموافقة. إن هكذا مرسوم وبالأهمية التي يتسم بها، وإن كان حصل على موافقة مجلس شورى الدولة، لا يمكن تصور أن يتم طرحه في جلسة مجلس الوزراء من خارج جدول أعماله إلاّ بغية تجنيبه الدراسة المستوفية لمضمونه من قبل وزراء قد يجدون في إقراره ضرراً يلحق باقتصاد الدولة والملك العام”.

وأشارت المصارد لموقعنا إلى أنّه “تبقى مسألة ما إذا تم فعلاً عرض هذا المرسوم خلال الجلسة وذلك أمر يقتضي التقصي حول مدى صحته خاصةً وان هنالك وزراء كوزراء حزب الله الذين لا بد وأن يكونوا على دراية كاملة بما يحصل في قطاع الاتصالات من خلال ما يحيطهم به من معلومات رئيس لجنة الاتصالات النيابية حسن فضل الله والذين لا يتصور أن يوافقوا على هكذا مرسوم يسمح لشركات خاصة بوضع يدها على قطاع سيتم تفريغه بالكامل وتسليمه لعدد قليل من رجال الأعمال. مع الإشارة إلى أن ما يعزز هكذا فرضية هو عدم اعتراض الوزير الأكثر اطلاعاً على قطاع الاتصالات غسان حاصباني والذي سبق (حين كان مستشاراً في شركة بوز الن للاستشارات) وأعد دراسة مستفيضة حول شركة ليبان تلكوم ويدرك بالتالي بشكل حتمي أنّ هكذا مرسوم سيقضي على هذه الشركة وبالتالي سيفرغ قانون الاتصالات ومعه القطاع بأكمله من مواطن قوته”.
وفي الختام وضعت المصادر هذه النقاط المتعلقة بظروف صدور المرسوم برسم فخامة رئيس البلاد ودولة رئيس مجلس الوزراء والوزراء والأمين العام لمجلس الوزراء وذلك لاعطاء الأجوبة للشعب اللبناني حول مسألة تمس في العمق الأمن القومي الاقتصادي للبلد.

السابق
الأمن العام: تأمين العودة الطوعية للنازحين السوريين من عرسال إلى سوريا
التالي
بالصوت: مقتل شاب في حي السلم والسبب.. المونديال