ليس «شرّابة خرج» ولا «زوجاً مخدوعاً»

أما وقد جرت الانتخابات، بالتواطؤ “الموضوعي” التامّ بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وفي ظلّ حكومةٍ غير حيادية، “مغطّاة” بثقة مجلس النواب، فهل “يحقّ” للسلطة القضائية أن تتفرّج على هذا الارتكاب، وأن لا تتحرّك إلاّ في حال تقديم طعون، أم يجب أن تعبّر عن سيادتها القضائية المطلقة كسلطة مستقلة، فترفض في الأساس، والشكل والمضمون، العملية برمتها، وتعتبرها لم تكن؟
أطالب القضاء باستخدام سلطاته، بموجب الآليات الدستورية المتاحة، فيضع يده على العملية الانتخابية برمتها، ويعيد الاعتبار بذلك، إلى الحيادية والنزاهة المفقودتَين في الإشراف على العملية الانتخابية.

اقرأ أيضاً: نصرالله المحارب الاخير بعد سليماني: إستعجال الحكومة قبل الحرب؟

هل هناك آليات تتيح للقضاء النظر في هذه “المجزرة”، بمعزلٍ عن الطعون؟
قد لا ينطوي سؤالي هذا على أيّ أساسٍ قانوني، من أجل أن يفعل القضاء المقتضى، بمعزل عن تقديم الطعون. لكن هذا المسوّغ يمثّل تفصيلاً عارضاً في المسألة التي جوهرها هو الآتي: السلطة القضائية المتمتعة دستورياً بالسيادة والسلطة والاستقلالية المطلقة، هل يجوز وقوفها على الحياد في مسألة مصادرة نزاهة العملية الانتخابية، وعدم حيادية السلطة التنفيذية فيها، باعتبار أن هذه السلطة مكوَّنة من أطرافٍ انتخابيين، إشرافاً وترشّحاً ومصالح سياسية؟
وإذا وقفت السلطة القضائية متفرجةً في هذه الحال، فأيّ معنى لها، أوان تصير صورتها أشبه بصورة “زوج مخدوع” في عملية ممارسة السلطة؟ تالياً، أيّ معنى، وأيّ قيمة، لوجود المجلس الدستوري؟
الشاهد المواطن، الذي يحترم الدستور، ويتهيّب عمل القضاء والقضاة، كيف له أن يسكت على خديعة عدم الفصل بين السلطات، فيقبل بأن تكون السلطة القضائية ملحقةً “موضوعياً”، بالسلطتين التشريعية والتنفيذية، وتابعة لهما؟
في حالٍ كهذه، ألا يكون القضاء مدعوّاً إلى “انتفاضة” دستورية يستعيد فيها سلطته واستقلاليته؛ “انتفاضة” تعيد الكرامة إلى حياتنا الوطنية، والى ممارستنا لسيادتنا كمواطنين تُسرَق منا أصواتنا وتُستخدَم في أكبر عملية تزوير تشهدها الحياة السياسية اللبنانية الحديثة؟!
“هذا الكلام الكبير”، لست أنا الذي يتنطح إلى إشهاره، بل هي هيئة مراقبة الانتخابات التي وثّقت أكثر من 7000 انتهاك لنزاهة العملية الانتخابية.
السلطة التنفيذية التي أشرفت على العملية الانتخابية، كانت تمثّل مجمل الأطراف الانتخابيين، وتحظى بـ”تغطية” السلطة التشريعية. هي بذلك، تكون قد انتهكت الدستور، بالتكافل والتضامن مع مجلس النواب، وبتغطيةٍ منه.
للقضاء وحده السلطة والحق في إعادة الاعتبار إلى هذا الدستور المنتهك في هذه الفضيحة العلنية المشهودة (بوجود طعون أو بمعزل عن الطعون).
إنه ليس “شرّابة خرج” ولا “زوجاً مخدوعاً”. حاشا.
الكرة في ملعبه. فليتحمّل مسؤوليته. وليمارس سلطته. ولينتفض. كي يقال إنه كان في لبنان قضاءٌ أنقذ الكرامة الوطنية.

السابق
بعد القرار الروسي: الجيش السوري يخلي المطارات العسكرية من الايرانيين وحزب الله
التالي
كتلة المستقبل: اهمية تضافر كل الجهود لتسهيل مهمة الرئيس المكلف