كان هدف الاحتلال المعلن إنهاء الوجود العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن أهدافه غير المعلنة إجراء عملية جراحية في النسيج الاجتماعي اللبناني، وضرب ما تحقق من وحدة اجتماعية لبنانية وإعادة البلد إلى مكوناته الأثرية الأولية. خلال مقاومة الاحتلال الإسرائيلي استشهد المئات وجرح الآلاف من اللبنانيين، الذي جمعهم هدف تحرير الوطن وتوحيده وتطويره ديموقراطياً. واليوم بعد 18 عاماً من التحرير، أخجل من كل الشهداء، وأخاف أن أنظر في عيون الجرحى والمعوقين من المناضلين. لا يختلف اثنان أن المقاومة المتنوعة باتجاهاتها السياسية استطاعت تحقيق التحرير، لكننا، ومن جميع المشارب، لم نستطع أن نوحد البلد. ماذا أقول للشهداء والجرحى: وحدة الكيان شكلية، التقسيم الاجتماعي سيد الموقف، النظام الطائفي السياسي ما زال سائداً يحاول تجاوز أزماته برمي الأزمات بمختلف جوانبها في وجوه الناس.
ما راكمته الأيام والنضالات من وحدة بين أبناء الشعب، بعثرته زعامات الطوائف التي لا تملك خطاباً سوى التخويف من الآخر. كل مكون اجتماعي يخاف من المكون الآخر، الناس تخاف من بعضها، والزعماء يصعدون خطاباتهم ويلتزمون مصالحهم.
اقرأ أيضاً: تصلّب الشرايين: من التحرير الى الحروب الاستباقية فالوجودية
بماذا أصارح الشهداء والجرحى؟ أقول لهم أن انتخاباتنا باتت شكلية لا هدف لها سوى البحث في أحجام المحاصصات، وما يحصل هو مبايعة من جمهور الطائفة لزعمائها. أقول لهم أن النفايات تملأ الشوارع، والمدن، والبلدات. الحلول موجودة، لكن أصحاب السلطات لا يريدون حلها إلا إذا اتفقوا على نهب المال العام، أصارحهم: ندفع فاتورتين للتيار الكهربائي من أغلى فواتير العالم. ومنذ عام 2010 نتلقى وعوداً بكهرباء 24/24 وكلها وعود عرقوبية. لبنان بلد المياه والينابيع لا مياه فيه صالحة للشرب، ومعظم الناس تشتري مياه الخدمة، وحتماً مياه الشفة. أوضح لهم أن الثروة الموعودة تسرق قبل أن نحصل عليها. وأن السلطة المركزية هي السلطة الأضعف بين السلطات الطوائفية القائمة.
في الجنوب، الذي تحرر عام 2000 لم يشهد أي مشروع استثماري واحد يؤمّن فرص عمل للمواطنين، وأن لا حرية للاستثمار في الجنوب، أراضي المشاع تتعرض لعمليات سطو محمي من “الأقوياء. وفي القرى المحررة لا مياه للشرب أو الخدمة. وأن نسبة الهجرة بعد التحرير أعلى من النسبة زمن الاحتلال. كنا نقول ان الجنوب سيعود إلى الوطن وإلى الدولة، لكن الدولة لم تصل بعد إلى الجنوب، والوطن ما زال مشروعاً معلقاً.
ربما كنتم أكثر حظّاً منا، لأنكم رحلتم من أجل تحقيق الحلم، ونحن الآن، يبدو أننا سنمضي وكأن الحلم تحول إلى مستحيل. لا، وألف لا، سنبقى نحلم بوطن موحد وشعب موحد.