سفارة أميركا أصبحت في القدس: معسكر السلام يتبدّد وينهار

نفّذ الرئيس الاميركي دونالد ترامب وعده للإسرائيليين بنقل سفارة بلاده من تل ابيب الى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، وذلك مقدمة لـ"صفقة القرن" في ظل صمت عربي مريب، وتصاعد مسيرات العودة واشتباكات بين قوات الاحتلال والمحتجين الفلسطينيين.

وفي حين وصف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قرار نقل السفارة بأنه “صفعة القرن”، قام الرئيس الاميركي دونالد ترامب بتقديم موعد النقل الذي كان مقررا اواخر العام الحالي ليتزامن اليوم في 14 ايار مع الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس دولة إسرائيل، او ما يعرف بـ”يوم النكبة” لدى الفلسطينيين.

ويشارك ممثلو 32 دولة في احتفالات إسرائيل بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بحضور إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وجاريد كوشنر، كبير مستشاري البيت الأبيض، على رأس وفد يضم 250 عضوا بينهم وزير الخزانة ستيفن منوشين، ونائب وزير الخارجية جون سوليفان.

ما هي القراءات السياسية التي تحيط بهذه العملية، وهل تكفي مواقف الاستنكار والشجب في مواجهة هذا القرار، وما هو دور الدول الممانعة؟

هويدي: التعويل على مسيرات العودة

المتخصص بشؤون اللاجئين علي هويدي في حديث لـ”جنوبية” قال “تعتبر هذه الخطوة بمثابة تعدي على اكثر من 18 مليون فلسطيني في الداخل والخارج، واستهتار بكل الاعراف والقوانين الدولية، كما تطال مشاعر المتضامنين مع القضية الفلسطينية على المستوى العربي والاسلامي والعالمي” مؤكدا ان “هذه العملية ستبقى حبرا على ورق، وان القدس بقسميها الشرقي والغربي وفلسطين كلها واقعة تحت الاحتلال كما ان الدول المشاركة في افتتاح السفارة تنتهك بدورها القانون الدولي وتقتضي محاسبتها “.

واضاف هويدي” ليس كافيا ما اعلنته الدول العربية من مواقف رافضة، بل يجب ان يكون هناك خطوات جادة وجريئة ترتقي الى مستوى الحدث وليس فقط اصدار بيان تعبّر فيه عن رفضها، وايضا الامم المتحدة هي الاخرى مطالبة بأكثر من ان يعبّر امينها العام انطونيو غوتيرش عن رفضه لهذه العملية”.

ما هو مطلوب من السلطة الفلسطينية؟ يجيب دبسي “بدورها عليها القيام بواجب اكبر بهذا الشأن، وما نعوّل عليه حاليا وبشكل اساسي هو الحراك الشعبي المتمثّل بمسيرة العودة التي بدأ الاستعداد لها منذ فترة لتصل الى ذروتها اليوم في 14 ايار الجاري، موعد نقل السفارة الاميركية الى القدس، وايضا يجب فك القيود عن فلسطينيي الضفة الغربية والقدس، والسماح للمحتجين بالتعبير عن رفضهم وصولا الى العصيان المدني الذي يجبر الاحتلال على التراجع، وبالتالي الان الانظار متجهة الى فلسطين ومسيرات العودة وما يمكن ان تحققه من ضغط على المستوى العربي والدولي”.

دبسي: معسكر الممانعة غير قادر على اختراق الحالة الراهنة

المحلل الفلسطيني ورئيس مركز تطوير للدراسات هشام دبسي، يرى ان هذه العملية ترتبط بسياسات المحاور التي تتصارع في المنطقة ويقول” اعتقد ان السياسة الاميركية والاسرائيلية في المرحلة الراهنة وصلت الى مرحلة عالية من التطابق في الاهداف المباشرة والاهداف البعيدة، وهذا الامر لم يكن في ادارة اوباما ظاهرا، ذلك ان ادارة ترامب تخلت عن ادعاء الادارة الاميركية السابق انها وسيط نزيه ويريد دفع الاطراف الى التفاهم، من خلال تبني وجهة النظر الاسرائيلية المباشرة التي تريد اسقاط المسألة المركزية بالنسبة لفلسطين، ألا وهي مسألة الاستقلال وبناء دولة وتلك المسائل ترتبط حكما بالحدود والعاصمة” واضاف “عندما يتم اسقاط ذلك نصبح امام انسداد استراتيجي وليس انسداد تكتيكي، وهذا ما دفع الفلسطينيون بالعودة سياسيا الى الوراء من خلال تبني مواقف المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في العام 1988 ، واعلنت فيه دولة فلسطين لاعادة ترسيخ التوازن”.

واشار دبسي الى “حقيقة واضحة وهي ان معسكر السلام الفلسطيني وصل الى حالة من التدهور شديدة، بفعل السياسة الاميركية والاسرائيلية المتطرفة، واعتقد ان التطرف يبرر التطرف لدى الطرف الاخر وبذلك نلحظ منذ فترة ان المتطرفين من الطرفين يخدمان بعضهم بشكل موضوعي منذ فترة، ولذلك ينبغي اعادة قراءة المشهد السياسي”.

وقال دبسي “تؤدي هذه المقاربة الى طرح سؤالين، اذا كان معسكر السلام الفلسطيني لديه استراتيجية واضحة تقوم على خيار الدولتين، واذا كان الطرف الاسرائيلي لا يريد تنفيذ هذا الخيار والاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، ويعطي المزيد من التبريرات لمعسكر التطرف سواء الفلسطيني او العربي من حماس او ايران، الاجابة الراهنة لا تبرر وجهة نظرهم ان المتطرفين الفلسطينيين الذين يرفضون خيار الدولتين ويرفضون التسوية التاريخية ويطالبون بالقتال لتحرير كامل التراب الفلسطيني، نراهم اليوم يلجأون الى النضال السلمي أي عبر المظاهرات، ونراهم اليوم ايضا يعترفون بخيار الدولتين رغم انهم يضعوه على رأس قائمة اعمالهم”.

اقرأ أيضاً: محمود عبّاس وهذا الخطاب!

ويختم دبسي “بهذا المعنى اصبح لدينا نوعين من الانسداد التاريخي: الاول هو انسداد في مسار السلام والتسوية المسؤول عنه اسرائيل والادارة الاميركية، وانسداد آخر لدى كل المتطرفين الذين يقولون بالحرب وهم ابعد ما يكونون عنها، ويقولون بالحقوق الكاملة وهم يعترفون بضرورة خيار الدولتين، فلا حركة حماس قادرة على تجاوز الواقع الراهن لمنطقها السياسي ولا أي دول تسمي حالها ممانعة قادرة على اختراق الحالة، ولذلك الازمة بالحقيقة اصبحت ازمة سياسية شاملة تلف المنطقة برمتها وتأخذ المنطقة الى المجهول وهذا ما يفعله المتطرفون على الضفتين”.

أي تحوّل ستحدثه هذه الخطوة في سير المفاوضات بين الطرفين، وهل ستكون بمثابة دق المسمار الاخير في نعش القضية الفلسطينية؟

السابق
الحريري: نؤكد على تضامننا الكامل مع الاخوة الفلسطينيين في نضالهم المشروع
التالي
لماذا التضييق على رئيس ادارة المناقصات؟