تغيير رأس النظام السوري أو المزيد من الاستنزاف الروسي

الصحافي علي الأمين

الضربة الثلاثية ليست أكثر من رسالة وجهتها الدول الكبرى الثلاث إلى النظام السوري بسبب استخدام الأسلحة الكيميائية في مدينة دوما في ضاحية دمشق، استهداف مراكز عسكرية وبحثية عدة طالتها الصواريخ الأميركية والفرنسية والبريطانية في الأراضي السورية تزعم الدول الثلاث أنّها مراكز لها علاقة بتصنيع السلاح الكيمائي ونقله واستخدامه. لم تسقط أيّ ضحية مدنية أو عسكرية سورية، ذلك ما يؤكد أنّ الضربات كانت متوقعة من قبل النظام وحلفائه في الزمان والمكان.

كما يرجّح أنّ الدول الثلاث لا تريد أن توقع ضحايا ولا أن تحدث دمارا في مواقع حيوية للنظام وحلفائه، لا سيما بعد أن شكّل الفيتو الروسي في مجلس الأمن ضد أيّ محاولة لإصدار قرار، مصدر إحراج دولي وتحدّ لم يكن من الممكن السكوت أو الاستسلام له، خاصة وأنّ استخدام هذا السلاح المحرّم دوليا، صار ينتشر في ظل ما يصفه أكثر من طرف بعدم قدرة مجلس الأمن الدولي على اتخاذ قرارات، ومن ذلك أن اعتبرت لندن أنّ السكوت على ما جرى في سوريا على هذا الصعيد، شجع على استخدام السلاح الكيميائي داخل بريطانيا من قبل المخابرات الروسية ضد أحد عملائها السابقين على حدّ زعم حكومة صاحبة الجلالة.

اقرأ أيضاً: جريمة دوما… الخلفيات والأهداف

رغم هذا التصوّر الذي جرى خلاله اتخاذ قرار من ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ومهما قيل بشأن الحسابات الدولية المتصلة بضرورة القيام بخطوة تمنع النظام السوري من استخدام السلاح المحرّم دولياً ضد شعبه، فإن الضربة الثلاثية تنطوي على أهداف أخرى. أهداف لا تصل إلى حد الحديث عن خطة استراتيجية متكاملة لسوريا التي آلت إلى النفوذ الروسي الذي يظلل نفوذا إيرانيا وتركيا، ولا هي ضربة محدودة وانتهت. إنّها رسالة كما وصفتها العواصم الدولية الثلاث، ولأنها رسالة فهي تنطوي على انتظار جواب ليس من النظام السوري الذي تعلم هذه الدول أنّه فقد منذ سنوات أي مساحة من استقلالية القرار، بل الرسالة هي إلى روسيا بالدرجة الأولى وإيران بدرجة ثانية.

الرئيس السوفييتي الأخير ميخائيل غورباتشوف، اعتبر أنّ الضربة الثلاثية على سوريا، ليست إلا تمرينا قبل الضربة الفعلية القادمة على هذا البلد، ولعلّ آخر رؤساء الإمبراطورية السوفييتية، وآخر زعماء المنظومة الاشتراكية مع انتهاء الحرب الباردة، يدرك أنّ تحرك السفن الأميركية نحو شرق المتوسط بشكل غير مسبوق منذ حرب العراق في العام 2003 لا يمكن إلا أن يكون تمهيدا لعمل عسكري كبير.

عامل الثقة في الدور الروسي اهتز من قبل الإدارة الأميركية والحكومتين الفـرنسية والبريطانية، واقتضى هذا الاهتزاز بداية تحوّل في الموقف من الأزمة السورية

في المقابل أكدت مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن، نيكي هيلي، أنّ الجنود الأميركيين في سوريا لن يغادروا سوريا، وهو موقف جاء بعد الضربة الثلاثية في خطوة تعكس تطوّرا استراتيجيا أميركيا، بعدما كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن قبل أسبوعين أنه سيسحب جنوده من سوريا، ويأتي هذا الموقف في ظل غياب أي رد عسكري على الضربة الثلاثية في سوريا، حيث اكتفى النظام السوري كعادته حيال أي ضربات تأتيه من خارج الحدود، بالاحتفال بالنصر بإفشاله الضربة الثلاثية، وهو أسلوب معتاد منذ سنوات طويلة سواء كان الأمر متعلقا بضربات إسرائيلية أو أميركية، ورغم عدم حصول أي رد فإنّ المندوبة الأميركية في مجلس الأمن “بشّرت” الحكومة الروسية بحزمة عقوبات جديدة ستطال شركات روسية تعتقد واشنطن أنّها على صلة بتزويد سوريا بتقنيات أو مواد لها علاقة بالسلاح الكيميائي.

الخطة الأميركية غير واضحة المعالم حتى اليوم، فهي تستند في البداية إلى معالم تحالف دولي تشكل بريطانيا وفرنسا ركنيْه الأساسيين، ويحظى بغطاء عربي تشكل المملكة العربية السعودية أساسه، فيما أعلنت إسرائيل أنّها قدمت معلومات استخبارية عن سوريا إلى منفذي الضربة الثلاثية، وهو مؤشر آخر على ملامح التعاون بين هذه الأطراف في الشأن الروسي.

ويشكل عنوان النفوذ الإيراني الهدف الأول لهذه الدول، حيث بدأ بوضوح تزايد الحديث عن إخراج إيران وميليشياتها من سوريا كشرط لا بد منه لحل الأزمة في هذا البلد، وهذا الموقف الذي ستبرز ملامحه أكثر فأكثر في المرحلة المقبلة، ويعكس في جوهره انقلابا في الاستراتيجية الأميركية تجاه الأزمة السورية، والتي أسس لها الرئيس الأميركي السـابق باراك أوباما، من خلال فتح الطريق أمام التدخل الروسي العسكري في هذا البلد، في خطوة كانت الغاية منها التزام روسيا بتوفير شروط الحل في سوريا مع مراعاة مصالح الدول الكبرى في هذا البلد، وضمن حل ينسجم مع قرارات الأمم المتحدة ولا سيما مؤتمر جنيف لحل الأزمة السورية.

الجديد أنّ عامل الثقة في الدور الروسي اهتز من قبل الإدارة الأميركية والحكومتين الفـرنسية والبريطانية، واقتضى هذا الاهتزاز بداية تحوّل في الموقف من الأزمة السورية، يقوم على أولوية محاصرة النفوذ الإيراني، ما يجعل روسيا أمـام خيار الذهاب في حماية الدور الإيراني في سوريا، أو القيام بخطوات تظهر أن موسكو مستعدة للعب دور جدّي في تحجيم هذا الدور أو إلغائه، وسياسة العصا والجزرة هي ما يمكن أن نلمسه بوضوح في السياسة الأميركية تجاه روسيا، وهي سياسة ستبدو فيها الإدارة الأميركية وحلفائها أكثر تشددا تجاه إيران، وفي نفس الـوقت مراقبة ردود الفعل الروسية على هذه الخطوات، والامتحان الأهم هو الخطوة المرتقبة أميركيا بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران الشهر المقبل.

القوة الأميركية العسكرية في المنطقة تمهّد لمواجهة مع إيران ليست واضحة معالمها الكاملة بعد، لكن مع نهاية الحرب على تنظيم داعش في العراق وسوريا ثمة مواجهة حامية؛ إيران في صلبها والجغرافيا العربية مسرحها والاقتصاد والعقوبات ليسا السلاح الوحيد الذي ستستخدمه واشنطن في مواجهة الدور الإيراني في المنطقة، بل حتى الصواريخ الأميركية باتت جاهزة وقابلة للانطلاق بعدما تراجع الاستعراض الإيراني الصاروخي الذي طالما كان مصدر اعتداد إيران الوحيد عسكريا.

باختصار روسيا أمام خيارات صعبة هذه المرة؛ إمّا استمرار الاستنزاف الروسي وتصعيده في سوريا مرفقا بعقوبات أميركية جديدة، وإما ابتداع سياسة جديدة تحرج الغرب والعرب وهي تغيير رأس النظام السوري.

السابق
جريمة دوما… الخلفيات والأهداف
التالي
بطولات «الانذار الخاطىء»