البيان الانتخابي الكامل للائحة «شبعنا حكي»

كان الجنوب اللبناني وما زال مداداً سخيا للعلماء والمصلحين والمقاومين ودعاة التغيير، إنها الأرض التي ما التبس على أهلها يوماً قضاياهم الوطنية وحسّهم القومي وانتماءهم العربي، ولا ضاقت فيها أوجه التنوّع الثقافي والتعدد السياسي والرحابة الفكرية الطاردة لكل آحادية مدمرة أو استئثار أناني. إنها أرض الحياة الخصبة التي أنتجت محسن الامين الثائر القومي العروبي، وعبد الحسين شرف الدين المكافح الوطني، والعلامة المُحقِّق محمد جواد مغنية، والإمام موسى الصدر صاحب مشروع الدولة، والمفكر محمد مهدي شمس الدين، ورجل الحوار هاني فحص، ومهدي عامل منظر الاجتماع السياسي، وحسين مروة شهيد الفكر والمنظر الأول للوعي التاريخي العربي.

وغيرهم الكثير من الذين عمقوا انتماءهم لمحيطهم العربي، ورسخوا الهوية الوطنية اللبنانية أساساً لكل تضامن أو تحالف أو عقيدة. فهذا صوت البطريرك مار انطونيوس بطرس خريش الطالع من على هذه الربى بمحبته الفائضة، ما يزال يصدح على امتداد الوطن بالسلام، منذ عصفت الحرب على هذا الوطن من كل اتجاه.

إنه الجنوب، الذي حوّل أرضه جحيما ضد كل مستعمر وكل سلطة جائرة، وكانت فلسطين قضيته الأولى والمصيرية، ومقاومة الاحتلال الصهيوني حرفة ونمط عيش يومي. هي مقاومة تغلغت في الروح والوجدان، فكانت شعراً وأدبا مثلما كانت سلاحاً، ورؤى حياة ومشاريع تغيير مثلما كانت فنون قتال. إنه حالٌ يشهد له تاريخُ هذه الأرض، امتزجت فيه سواعد المقاومين على اختلاف مشاربهم من يساريين وقوميين ووطنيين أمثال ناصيف النصّار وصادق حمزة وأدهم خنجر ووصولاً إلى حسن حايك ونعمة درويش وراغب حرب، امتزجت بأريحية الشعر ورهافة الأدب وعبقرية العلم، أمثال عبد الحسين عبدالله وموسى الزين شرارة الذي عاف بلدية بنت جبيل بسبب الظلم الاجتماعي والسياسي والديني، وهاجر الى إفريقيا قائلاً:

هنا أرض الحياة فلا زعيم تساق له الغلال بكل عيد

ولا ذو عمّة يبكي «حسيناً» رياءً وهو أفظع من «يزيدِ»!!

ولا ننسى محمد فلحة وجعفر الأمين ونور الدين بدرالدين، الذين اشتاقت المنابر والمجالس لألمعيتهم ونقدهم السياسي والاجتماعي اللاذع، ولا الشيخ علي الزين ابن جبشيت و«عصبة الأدب العاملي» التي اسسها عام 1935، ولا مجلة العرفان التي اسسها الشيخ أحمد عارف الزين بمعاونة الكبار من الادباء والفقهاء العامليين أمثال محمد جابر آل صفا وأحمد رضا وسليمان ضاهر، مطلع القرن العشرين، وجسّدت تلازم المعركة ضد الاستعمار والجّهل في آن، كشرط لنجاح أي عمل مقاوم.

أما أبو علي، سلام الراسي شيخ الأدب الشعبي، هو الذي التقط مشافهات الجنوبيين، ووثّقها في لمحة سياسية اجتماعية ذكية، وجورج جرداق ابن مرجعيون الذي كتب في الامام علي بن ابي طالب “صوت العدالة الانسانية”، وستبقى الاديبة الجنوبية أميلي نصرالله ابنة الكفير التي ودعناها الشهر الفائت علامةً فارقة في دنيا الأدب والنضال النسوي.

هذا هو الجنوب، رحِمُ هذه القامات، وفضاء الحرية والتنوع والابداع، وخُلُقُ رفض الظلم والاحادية والمصادرة والالغاء، وأفقُ الرحابة الفكرية والاجتماعية، في هويته العاملية والوطنية والعربية. ولا يفوتنا من هنا، من هذا السهل الممتنع عن الغياب أن نحيي حبيب صادق المثقف والمناضل، وطارق شهاب ناسك العرقوب وصوته الذي لا يغيب.

يا أهلنا الأحباء في جنوب وطننا العزيز، لن نلقي عليكم، مطولات فارغة ولا خطابات كررتها قوى احتكرت تمثيلكم منذ العام 1992، من دون أن تسهم بأي تغيير أو تحسناً لحال، وظنت هذه القوى مع طول الزمن أن هذا التمثيل هو ملكٌ لها أو هبةٌ إلهية ممنوحة من السماء.

بل عمدت إلى الاستخفاف بالعقول وتوهين الإرادات وحتى تشويه مبادئ وقيم الديمقراطية، حين اعتبرت الاقتراع عبارة عن تقيّد حرفي بفتوى شرعية لصالح مرشح معين لا واجباً وطنياً وممارسة يمليها الضمير والقناعة الحرة.

وتمادى البعض منهم حين اعتبر الانتخابات بيعةً أو تفويضاً يكون فيها المنتخَبُ معفياً من أية مسؤولية أمام ناخبيه، في حين أن التمثيل هو عقد أمانة بين النائب ومن يمثلهم، يملك معه أفراد المجتمع حق المطالبة والمحاسبة بل حق العزل إذا قصَّر في مراعاة مصالح الناس.

بل مارس أكثرهم إرهاباً مباشراً ومبطناً، معنويا وفكريا وجسديا في بعض الأحيان، ضد كل مرشح مضاد، ولم يوفروا أية مفردة من قاموس الاتهام بالعمالة والخيانة. في حين أن الحياة الديمقراطية تستدعي المنافسة الحرة والقوية لكي تكون الانتخابات أكثر تعبيراً عن مزاج افراد المجتمع وميولهم. نريد منافسةً شريفةً ويريديون احتكاراً إكراهياً وانتخابات شكلية، نريد ضميراً حيًّا يصوت ويحاسب ويريدون عبودية طوعية تخضع وتهلل وتصفق.

من هنا فإن ترشحنا ليس لغرض كسر الإحتكار فحسب، بل لمواجهة سلوك أخذ يعممُ نفسه بأدوات إعلامية ودعائية مكثفة وفتاكة، يعمد إلى تشويه قيم الديمقراطية، وتعطيل الحيوية الاجتماعية، وترسيخ مظاهر الاتّباع الأعمى، والتنازلَ الطوعي عن حق المحاسبة والمراقبة والشراكة في صناعة القرار.

لن نعدكم بما لا طاقة لنا به، ولن نقدم وعوداً كاذبة أو كلاماً برّاقاً فارغاً. فبرنامجنا الانتخابي بسيط وواضح كوضوح شخصية الجنوبيين وشفافيتهم، ونقاطه ليست مسلوخةً من بياناتهم الانتخابية المكررة، بل من معاناتنا اليومية وخسائرنا المتراكمة، ومن تطلعاتنا نحو مستقبلنا ومستقبل أولادنا، والتي يمكن تلخيصها بما يأتي:

أولاً: نعدكم بأن يكون الجنوب في قلب اهتمامات الدولة، لتكون لنا دولة على قدر طموحاتنا وتطلعاتنا تتميز بـــ:

–  دولة العدالة والتوازن في الإنماء.

– دولة اللامركزية الإدارية التي تسهل حياة المواطن وتقلل من التعقيد في إدارة مصالحه.

– دولة القانون التي لا تميز أو تفاضل بين القوي والضعيف.

– دولة مقاوِمة ذات استراتيجية واضحة ومرجعية حصرية في مواجهة العدو أو أي عدوان طارئ، لا دولة أحزاب وأجندات إقليمية وطموحات أيديولوجية.

– دولة مواطنة تشرك أبناءها في صناعة القرار، وتصون مصالحهم في الداخل والخارج بطريقة فاعلة.

– دولة المواطن أولا وأخيراً لا دولة محسوبيات ومحاصصة.

– دولة الإنسان الحر والكريم، لا دولة الميليشيات المتناحرة والعصابات التي تصادر حياتنا اليومية وتخطف رزقنا وتصادر مستقبلنا.

– دولة قوية تطبق القانون على الجميع من دون أية موانع أو غطاءات حزبية أو ميليشياوية.

– دولة سيدة قادرة حصراً على حماية أرضها في الداخل والخارج، وتملك صلاحية بسط نفوذها فوق كل شبر من أراضي الوطن.

– دولة موحدة ينحصر الولاء بها ولها، لا دولة مجزأة إلى دويلات وولاءات محلية ومتعددة.

– وأخيراً : دولة الشفافية والمحاسبة، الكفاءة والإنتاجية، التخطيط والمعايير العلمية.

ثانياً: تشجيع المبادرات المجتمعية، كجزء من تفعيل الحياة العامة، وتحويل البلدات الجنوبية إلى خلية نحل تنموية قائمة على مبادرات الشباب وما أكثرها. فلن نهمل المبادرات ولن نتصرف حزبياً أو فئوياً.

هذا الهدف، بدأنا متابتعه وتنفيذه منذ أشهر، حيث شكّلنا فريق عمل لهذا الغرض، وأجرينا دراسات لمشاريع إنمائية، بدأنا العمل على تجميع المبادرات والمشاريع، وكلها من أفكار شباب جنوبيين وسنعمل على تحقيقها كلها، على قدر ما تسمح به طاقة الدولة وطاقة المجتمع.

ثالثاً: سنعمل على أن يكون ممثل الجنوب في البرلمان صدى لتطلعات الجنونيين وآمالهم وآلامهم. لا أن نزج تمثيلهم في معارك سياسية وإقليمية تضر بمصالحهم وتتسبب لهم بمزبد من العزلة عن محيطهم العربي والدولي.

رابعاً: سنكون أوّلَ وأشرسَ المقاومين دفاعا عن أرضنا، ولكن وفق شرط سيادة الدولة، ووفق مشروع مقاومة وطنية غير مذهبية وغير مؤدلجة ومتحررة من أيّة إملاءات إقليمية.

خامساً: أيها الجنوبي العزيز، نعدك  بأن نمد جسور التواصل مع العالم العربي والعالم، لتكون الهُوية الجنوبية، كما اللبنانية مفتاحاً للعمل والاستثمار، وليس وصمةً أو تهمةً تستدعي الملاحقة والحصار.

سنكون كما عهدتمونا، لكم ومعكم، لأننا منكم، ومعاناتنا من معاناتكم. سنكون صوتكم الذي لم يُسمع طوال عقود، لن ننجر إلى مصالح خاصة أو عابرة للحدود على حساب مصلحة الجنوبيين.

آن للجنوب ان يأخذ موقعه الفاعل والمنتج داخل جغرافيا الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان، وآن للإرادة الجنوبية أن تتجلى وتفرض نفسها في التمثيل النيابي، وأن تحدث التغيير الذي طال انتظاره، وتكسرَ ركودَ الحياة ورتابة السياسة وحالة اللون الواحد التي رسختها قوى الأمر الراكد، التي اتسعت الهوة بينها وبين مصالح الجنوبيين الحقيقية والفعلية، ولَم تعد بمستوى تمثيل تطلعات الجنوبيين وحماية مصالحهم والتعبير عن ذهنياتهم.

من هنا، نعلن ترشحنا عن دائرة الجنوب الثالثة، نحن أعضاء لائحة “شبعنا حكي”، متضامنين على شرط الجنوب والتنوع، على شرط الوطن والدولة، على شرط الحوار والشراكة، مدركين بأن الترشح ليس نزهة ولا استعراضاً بل هو مسؤوليةٌ أمام المجتمع والوطن؛ ليس لدينا أوهام، لكن لدينا ثقة بأهلنا الجنوبيين الذين يريدون منّا أن نكون أقوياء، أقوياء في إرادة التغيير لحماية التنوع وحرية المبادرة، في استنهاض طاقات المجتمع، وفي بناء الوطن الذي يستحق أن يكون حاضناً لكل أبنائه ناهضاً بهم، وناهضين به.

 

  • ألقاها رئيس اللائحة علي الأمين في إبل السقي – مرجعيون

إقرأ أيضاً: «الديار» تحاور علي الأمين رئيس لائحة «شبعنا حكي»: ترشُّحنا لكسر الاحتكار الشيعي

السابق
انطلاق حفل لائحة «شبعنا حكي» في إبل السقي
التالي
«شبعنا حكي» تطلق برنامجها الانتخابي من مرجعيون: لا نترشح استعراضاً وليس لدينا أوهام