ايران والعالم العربي (5): أحلام طهران التوسعيّة

ايران
امتدت طموحات جمهورية الملالي من فلسطين التي دغدغت بشعاراتها أحلام الشباب العربي والإسلامي وصولاً إلى اليمن الرحم الذي أنجب قبائل العرب، فتحول هذا البلد الفقير البائس الذي مر بالعديد من المصائب على مر عقود الى يمن تعيس، بعدما كان يسمى باليمن السعيد.

لو كانت إيران فعلاً تنوي تحرير فلسطين لما استهلكت طاقاتها المالية وقدراتها البشرية ومرتزقتها في العالم العربي في حروب عربية –عربية من شأنها جعل الدولة اليهودية في أفضل حال من الأمان والاستقرار للمرة الأولى منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي.

اقرأ أيضاً: إيران والعالم العربي (1): طموحات السيطرة من اليمن حتى فلسطين

اليمن التعيس

اليمن السعيد الذي أنهكته الحروب والنزاعات القبلية والسياسية على مدى عقود فجاء الحوثيون المدعومون من إيران ليطلقوا على جسده الطلقة الأخيرة، لعلها طلقة الرحمة أو طلقة لتجدد العذاب. اليمن في المفكرة الإيرانية هو موقع استراتيجي يفيد الإيرانيين في حربهم الباردة ضد السعودية ويحقق لهم أهدافاً جيوستراتيجية في باب المندب والقرن الإفريقي. بمعنى التوسع في كل الدول العربية والإفريقية، الحساسة في الشرق الأوسط.

لهذا عمل الإيرانيون بشكل كثيف وسط اتباع المذهب الزيدي (هو مذهب شيعي لكنه ليس إثنا عشرياً كما شيعة ايران). لكن بدر الدين الحوثي (والد زعيم الحوثيين الحالي عبد الملك) كان في نهاية التسعينات قد سافر إلى طهران وأقام بها عدة سنوات وخضع لغسل دماغ عقائدي إذ تأثر بالخميني والنموذج الإيراني واعتقد بإمكانية احياء الخلافة/الإمامة الزيدية في اليمن. كذلك أقنع الإيرانيون الرئيس السابق علي عبدالله الصالح الذي ينتمي للمذهب الزيدي أيضاً بالتحالف مع الحوثيين لكن نهايته كانت على أيديهم بعدما كشف مخططات إيران في بلاده. في الوقت نفسه كان الإيرانيون يدعمون تيارات جنوبية يمنية، يبدو أن دورها في تنفيذ مخططاتهم قد بدأ مع تحرك الجنوبيين ضد السلطة الشرعية خلال الأيام الماضية، بعدما عجز الحوثيون عن تحقيق ما يصبون اليه وما تصبو اليه إيران رغم صواريخهم الفارسية التي تستهدف مدناً سعودية بما فيها العاصمة الرياض.

تأسست ميليشيات “أنصار الله” الحوثية في العام 1997 بأمر من الحكومة الإيرانية لتكون نسخة من “حزب الله” اللبناني. وبالتالي أصبح بعض الزيدية في اليمن المعروفين تاريخياً بقربهم من أهل السنة وعلاقتهم الوطيدة بالسعودية، بمثابة حصان طروادة إيراني داخل الجزيرة العربية حيث الرحم الذي ولدت منه قبائل العرب.

لقد دخلت إيران الشيعية الصفوية إلى كل بيت عربي تحت شعار “الوحدة الإسلامية” وتحت شعارات “محاربة أعداء الأمة” و”تحرير القدس” ودعم المقاومة في لبنان وفلسطين، فشقّت صفوف أحزاب وتيارات واشترت شخصيات دينية ومؤسسات من كافة المذاهب والأديان لتحقيق سياساتها. ولعبت دور حامية الأقليات في وجه السنّة في الوقت الذي أقنعت فيه بعض السنة أنها تحمل إسلاماً إصلاحياً يعيد النظر في التاريخ ورواياته. فزرعت الشك بمصداقية شخصيات إسلامية تاريخية شاركت في صناعة تاريخ العرب والإسلام مثل صحابة الرسول، ونشرت الكراهية لهم ووصلت انتقادات ايران المذهبية حتى بيت النبي محمد للإساءة الى زوجته عائشة، وهذا ما يعتبره المسلمون السنّة فوق النقد والتجريج.

بالفعل أيقظت إيران الفتنة التاريخية التي كانت بين المسلمين وأدخلتها الى كل بيت عربي أو إسلامي وجعلت هناك عداوات حتى داخل بعض العائلات بنشر التشيّع وتقديم هذا المذهب على أنه مذهب “سفينة النجاة” بمعنى التكفير المبطن للآخر. حتى شعارها عن الوحدة الإسلامية لم يكن سوى شعاراً للإختراق وممارسة سياسة التشيّيع الشبيهة تماماً بممارسة التكفير. وقد كان خليفة الخميني الراحل حسين منتظري الذي عزله الأول قبل وفاته وجعله تحت الإقامة الجبرية متهماً إياه بالخيانة، هو من أطلق “أسبوع الوحدة الإسلامية” الذي بات يُنسب إلى الخميني في ما بعد.

فلسطين الذريعة والضحيّة

حتى أنها اخترقت بعض الفصائل الفلسطينية مثل “حركة الجهاد الإسلامي” التي شقتها عن “حماس” ومن ثم استطاعت استيعاب “حماس” الإخوانية” تحت جناحها مستغلة غياب دعم عربي إسلامي سني للمقاومة الفلسطينية. وأكثر من ذلك ساهمت بتشييع بعض الفلسطينيين في قطاع غزة وأسست لهم تنظيماً باسم “حركة الصابرين”، كما فعلت تماماً في العديد من الدول العربية من ضمنها دول شمال أفريقيا ومصر. وكانت طهران دائماً تلعب على التناقضات بين حركة “فتح” والحركات الفلسطينية الأخرى الإسلامية والوطنية على حد سواء وبين السلطة والفصائل المعارضة لها.

لقد تصرفت “الجمهورية الإسلامية الإيرانية” مع العرب دائماً وفق قوميتها الفارسية ومذهبها الشيعي ففيما كان بعض العرب يحتجون عند الخميني حول تسمية إيران للخليج بالفارسي، أجابهم لنسميّه بالخليج الإسلامي وننهي الخلاف. لكن في الواقع كان هذا الجواب هو أحد ممارسات الإيرانيين الديبلوماسية التي تأتي دائماً مصحوبة بابتسامة خبيثة من دون أن يفوا بوعودهم. هكذا ظل الخليج فارسياً في إعلامهم ومدارسهم وعلى ألسنة مسؤوليهم وفي خرائطهم ولم يكن الحديث عن إسلامية الخليج سوى لذر الرماد في العيون. هذا هو التشيّع الصفوي الذي يتميز عن التشيع الحقيقي للإمام علي بانه تشيّع يحمل في جذوره صراعات التاريخ المذهبي، ويجعل من الطقوس والروايات الأسطورية أساساً لتعالميه، ويغالي في حب وتقديس آل بيت النبي ويستخدم التقيّة لتمرير سياساته ومخططاته. هذا ما يؤكد عدم سعي إيران لتصدير لغتها وثقافتها الى العالم العربي بل لتصدير مفاهيمها حول الإسلام المغلوط الذي يسميه الخميني “الإسلام المحمدي الأصيل” وفي هذا العنوان شيء من العنجيهة واحتكار الدين والتاريخ بما يعني تماماً التكفير.

اقرأ أيضاً: إيران والعالم العربي (2): الجزر الإماراتية وحكم الصلاة في الأرض المغصوبة

لقد فتحت الأحداث التي تشهدها إيران منذ الثامن والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2017، عيون المراقبين على العديد من الأزمات التي يعيشها العالم العربي منذ وصول الملالي الشيعة المتشددين إلى السلطة بعد إطاحتهم بحكم الشاه محمد رضا بهلوي في العام 1979. وبدا أن عامل تمويل نظام الملالي للحروب وإثارة الفتن في المنطقة كان السبب الحقيقي وراء إندلاع الاحتجاجات على غلاء الأسعار وتفشي البطالة في طهران والعديد من المدن الإيرانية التي باتت ترزح تحت مشكلات الفقر والجوع، فيما تنام جمهورية الملالي على أكبر ثروة نفطية وغازية في المنطقة.

السابق
مجموعة صور من مهرجان السفن العظيم في العاصمة الهولندية «أمستردام»
التالي
عدا «كلنا بيروت» و«نساء عكار»: تمثيل المرأة الانتخابي ما زال ضعيفاً!