حنان رحيمي في «الانتحاري والفول»: قصص ترصد شتات المجتمع وتناقضه

حنان رحيمي
الشاعرة والروائية اللبنانية حنان رحيمي وفي مجموعتها القصصية الجديدة، الصادرة في طبعة ثانية، عن "دار المؤلِّف" في بيروت 2017، تحت عنوان: "الانتحاري... والفول" تُصوِّر، وبسرد قصصيّ، شائق وممتع، طبيعة الأجواء المأساوية التي تحيط بشخصياتها القصصية، المعزولة عن المجتمع والمرتبطة به في آن معاً.

حنان رحيمي (جنى المطر)، لا زالت، ترصد حالات إنسانية شتّى، في أعمالها الإبداعية، وخاصة القصصية منها، وتقدّمها للقراء كحالات خاصة وعامة، في الوقت نفسه، وذلك باعتمادها لغة قصصيّة (تجمع فخامة الفصحى وبساطة العاميّة)، إذْ هي من القدرة بحيث تستحوذ على وجدانية القارىء/ القارئة، بإدخالهما أجواء حكائيّة، تنهض – إبداعياً – على خلفية الأدب الملتزم بالحياة، الأدب المسؤول عن إصلاح المجتمع ورقيّة وتقدّمه، من خلال إظهار أوجاع أفراده المتألِّمين، بالوقوف على مشرحة عرض قضاياهم الإنسانية الحساسة.

اقرأ أيضاً: تأمّلات حنَّة أرندتْ «في العنف»… تاريخياً

وهكذا تقف حنان رحيمي – مجدّداً – على جسر الأدب، في محاولة منها لوصل هموم الفرد الإنسانية، بهموم الجماعة، وذلك من خلال اللعب الفني على أوتار أحاسيس عناصر المجتمع ككل. فعلى هذا المنوال، الذي بدأت به رحيمي كتاباتها، التي احتلت مكانها – تلقائياً وسريعاً، في المشهد الأدبي العربي – تنسج عوالمها القصصية، في هذه المجموعة، التي تضيءُ – فنياً/ تقنياً الجوانب المظلمة لقاع المجتمع، وذلك من أجل المطالبة الصادقة لإعادة الحق للشخصية الإنسانية التي تجد نفسها – وكشخصية مظلومة، من أكثر من جانب – حبيسة هذا القاع، ذلك أن رحيمي تجهد وتجتهد، إبداعياً – لاستعادة الكرامة المهدورة لهذه الشخصيات، وهذه هي ميزة أدبها الواقعي – المنسول من الأدب الواقعي عموماً – الذي يستلّ مادّته الأدبية، من صميم شواغل الحياة اليومية.

هذا، وتقدِّم رحيمي مجموعتها هذه بالقول: “الانتحاري والفول”… عنوان غريب سيثير علامات استفهام لم ايحمل في طياته من غموض وتناقض.

ما الرابط بين “الانتحاري” بما تحمله الكلمة من صور للإرهاب والدم وأشلاء الأبرياء، وبين “الفول”؟ وبما أن حياة إنسان هذا العصر بحر من التناقضات بما يتخبط حوله من واقع عجيب، سحق الخيال وألقى به جانباً.. وبما أن “الصدفة” تحرك مسيرة حياتنا من حيث لا ندري..

كتاب الانتحاري والفول

فلا عجب إذن بالانتحاري الذي صادفه “الفول” ليتحول بعدها إلى قصى مثيرة، ويحتل عنوان مجموعتي القصصية المؤلفة من تسع قصص من صميم الواقع المرير… كل قصة تحمل قضية ملحة في حياة كل فرد من مجتمعاتنا العربية على الصعد السياسية والاجتماعية والإنسانية. فالصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري، يجعلنا شركاء في الظلم والظلام.

ومن قصّة “الانتحاري… والفول”، نورد هنا المقطع الأخير لخاتمة القصّة:

ارتمى أرضاً في زاوية زاروب ضيق إلى جانب كومة من القمامة، المغص يمزق أحشاؤه… أخذ يخور كالبقرة عند ذبحها.. نسي الحزام.. الألم أطاح بحواسه.. أنساه الجنة وما فيها.. انقلبت كل أحلامه إلى شيء واحد، الدخول إلى المرحاض.. يبدو الفول مسموماً!.. انفجرت معدته.. تبللت ثيابه، غرق بأقذاره.. أصبح مقرفاً كجرذ ميت.. الرائحة النتنة تفوح منه..

كلما اقترب أحد المارة لمساعدته، يسد أنفه ويولي هارباً… حاول من حلاوة الروح أن يفك الحزام، ولكنه مشدوداً بطريقة لا يمكن فكه إلا بمساعدة الغير.. فكر بتفجيره ولكنه سيذهب لوحده لا أناس حوله، وشهادته لن تقبل عند ربه بل سيحاسبه لأنه سيعتبرها انتحار وقتل نفسه.. هذا ما قاله له الأمير.

اقترب منه أحد الباعة: ماذا بك يا ولدي؟

قال وهو يكاد يلفظ أنفاسه ووجهه يميل إلى اللون الأزرق: تسممت من الفول.. أرجوك ساعدني.. خذني إلى الطبيب.. إنني أموت.. لا أعرف كيف أتصرف..

اقرأ أيضاً: «فنُّ القراءة»… ما يميّز نوعَنا الإنسانيّ

تذكر الحزام الناسف.. سأل نفسه: كيف أذهب إلى الطبيب؟ سيرى الحزام.. إنه يخنقني يجب أن أتخلص منه.. اقترب البائع منه.. كان غارقاً في قذارته والاستفراغ يغطي وجهه وملابسه.. ابتعد عنه متقززاً..

قال بصوت متحشرج وكأنه يلفظ أنفاسه، فغازات معدته حبسها الحزام فصعدت إلى القلب: أتوسل إليك فك لي هذا الحزام، إنه يعصر أمعائي ويضغط على قلبي.. استحلفك بالله والأنبياء أن تساعدني..

اقترب الرجل امام هذا الرجاء ليساعده.. وما إن فك له أزرار القميص حتى هرب مهرولاً يصرخ كالمجنون: انتحاري.. انتحاري.. وفي لحظات كان كل من في الشارع يهربون..

جاء رجال الأمن صرخوا به لم يتحرك.. اقتربوا منه بحذر شديد ولكنه كان قد فارق الحياة.. قال أحد رجال الأمن بعد تعطيلهم للحزام الناسف مشيراً إلى الجثة: ارفعوا هذه الجيفة وارموها على المزابل.. لا تدنسوا المقابر بها..

السابق
إقفال باب الترشحيات على 976 مرشحا.. وترقب جوجلة التحالفات
التالي
المشنوق التقى وزير الداخلية السعودي: إرتياح لعودة الصفاء والحرارة بين البلدين