«رعشة روح»: نصوصٌ أدبيّة يُدوزِنُها جوزف رزق

كتاب رعشة الروح
الكتاب الموسوم بـ"رعشة الروح"، هو كتاب جديد للكاتب والرّوائي والقاصّ اللبناني جوزف رزق.وهذا الكتاب الصادر حديثاً عن "دار الفارابي" في بيروت، (في طبعة أولى 2017). يحتوى على مجموعة نصوص نثريّة للكاتب، يبلغ عددها مائة نصّ من عناوينها: "مطران كبوجي"؛ "الأب"؛ "أحبّك أن تعلمي"؛ "الإدراك"؛ "الأنانية"؛ "الكذب"؛ "الإنسان المثالي"؛ "الظلّ"؛ "الفراغ"؛ و"سيرة سلحفاة".

ومن هذا الكتاب الذي يُدَوْزِنُ فيه الكاتب “رعشة روحه”؛ هذا النّصّان:

التواضع

هو الزهرة التي لا تعلو كثيراً، كي لا تتشاوف على التراب، لكن أريجها يملأ الدنيا. هو البطاح دون البطاح، والانحناء دون الخضوع، والتفاعل دون تخاذل، والتكامل دون تنازل، والانصهار دون ضياع الميزة وفقدان الشخصية. هو الطهر الشاخص في الرقة، والوداعة القاطنة في العفة، والمجد النازل عن الأكتاف دون تنازل، والتواضع هو العظمة التي لا تعترف بعظمتها، ولا تدرك ماهيتها، ولا تتشاوف على من هم دونها، وهو العطر الرائج خارج إطار الأنف، والكلمة الصامتة المدوّية رغم سكوتها، والحب الحائم بأجنحة خافتة، والمزية التي لا تدرك مزيتها، والحنان الذي يعشّش في كل روح وقلب، بطيبة لا تساوم إلا على رقّتها وشفافيتها ووداعتها، لأنها أكيدة وواثقة، وليس لديها مركبات نقص أو عيوب لتعوّض بالتشاوف.

اقرأ أيضاً: هالة أبو حمدان تؤلّف في «العنف وتطوير مناهج التفسير»

التواضع هو القيمة التي تتنازل عن عليائها، لتقيم في كهف روحها، وتترجّل عن برجها، لتقطن في ثنايا النفس، هو العظمة التي تحني رأسها، دون أن يلتوي عنقها، ودون أن يحدودب ظهرها، ودون أن تنسحق شكيمتها، هو المعطف الذي ترتديه عفّة النفس، عندما يتفشّى التعجرف، ويستشري التكبّر، وتستعلي المقامات على الكرامات، وتلبس الهامات التباسها، وترتدي النفوس الخسيسة وضاعتها؛ فهو التراب الذي لا يستعلي على التراب ولا يلامس السماء، ولا يستقوي على الرؤوس الرديفة، في السلوك والطريقة، ولا يبشّر بمجده الآتي من الغباوة، وكبريائه المستوحاة من الشح..

كتاب رعشة الروح

التواضع هو التاج الذي يعتمر الرؤوس الشهمة، دون أن يلغي ماهية الدماغ، وبشاشة الضمير، ونضارة الجوهر.. وهو النص الذي يلتزم بالديباجة ويجيد أصول الأبجدية، دون التعدّي على قواعد اللغة.. ودون الخروج على شروط اللعبة.. التواضع هو العظمة التي لا تدري بعظمتها، والحقيقة التي لا تستوفي حقها إلا من شرط وجودها.. فهي لا تبشّر بذات متفوّقة، ولا بذات متميزة، ولا بذات متعالية، بل تجثم لتقبّل حنانها، وتحضن وداعتها، وتؤنس انتماءها وتكرّم كل من حولها.. فالتفوّق فكراً كان أو قوة، أو جمالاً، فلا يعني هذا بشيء، إلا ان نستعمل مزيتنا ورقّتنا وحسننا وبهاءنا لمن هم دوننا، وإلا سيحتقرنا كل من حولنا، وسوف يشفقون علينا لمزية ليست من عندنا.. وسوف يكرهوننا على ضعفنا وخساستنا واستكبارنا.. التواضع لا يعني انسحاقنا وحبونا وذلّنا واندحارنا، بل يعني تفاعلنا، وتضارعنا بالقدر نفسه الذي يوجبه انتماؤنا، بعفّة الودّ لا التودّد ورقّة الصدق لا التصدّق، فلا فضل لآدمي على آدمي إلا بحسن سلوكه… ولا شيء يستحق التشاوف لأننا تراب من طين واحد، ومن يتشاوف يكن كالغبار الذي لا ينتج إلا السراب، وإعاقة الرؤيا وعظمة زائلة، ومجداً باطلاً دون طائل.

اقرأ أيضاً: رياض عوض ينثر «كلمات ذات مفعول رجعي»

مطران كبوجي

مطران كبوجي، وداعاً يا صدر الأمة، وصدارة العروبة، وجبين الذين لا جبين لهم، ورأساً شامخاً فوق كل الرؤوس الملتوية، وعنقاً مشرئياً فوق كل الأعناق المنحنية، يا بحراً فاض على جميع المجاري المتفسّحة، والجداول المتفرقة، والأعراق المتناحرة، يا شرف الأمة وعنفوان الانتماء، ونقاء الهوية. يا وسام شرف عظيم على كل صدر، ولفظة حنان في كل قلب وروح ونفس، يا حرية لم تتوان ولم تتخاذل ولم تنكسر، ورعشة حب وفسحة أمل وردهة رجاء، يا من حملت هموم القضية والكيان والكرامة والبهاء والشرف على كاهلك، وهم يتسلّون بأرماقهم وخزيهم، وعارهم ولا يبالون، ويتلطّون خلف دناءتهم ولا يأبهون، ويختبئون في خساستهم ويكابرون. وداعاً يا بركاناً فوق حطام الركام، وسيلاً دافقاً فوق شقوق الخيبة. يا ثائراً لم تنبطح كما ينبطحون، ولم تستسلم كما يستسلمون، ولم تركع كما يركعون. وداعاً أيها البطل الذي يليق به الكلام، وتجوز منه وفيه وعليه الصلاة، وداعاً يا قبراً يشعّ ويسمو، كلما تهدّل عرين وتقهقرت هوية، أنت الرمز وأنت المثال، وأنت الدرب يا كل العطاء والنضال والعنفوان والكرامة والحب… يا كل العروبة.

السابق
خطابا نصرالله والحريري: تعبئة ورصّ صفوف تسبق الانتخابات
التالي
هذا هو «خط هوف» لترسيم الحدود البحرية… ولهذا يرفضه لبنان