انتفاضة ايران: السلطة المطلقة مفسدة مطلقة..باسم الله او باسم الشيطان

علي الأمين

في الإجتماعات الرسمية لحكومة الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، كان نجاد يترك مقعداً فارغاً إلى جانبه فيما بقية المقاعد كان يشغلها أعضاء الحكومة من الوزراء، المقعد الشاغر هذا كان مخصصاً للإمام المهدي، وهو الإمام الثاني عشر لدى الشيعة الإمامية، والذي سيظهر في آخر الزمان ليملأ الارض عدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً بحسب معتقدات الشيعة الامامية.

لم تكن هذه الخطوة المستغربة وغير المسبوقة خطوة غير منسجمة مع سياقات المدرسة التي يمثلها أحمدي نجاد، بل كانت امتداداً طبيعياً لمنهجية السلطة الإيرانية في حكم الشعب، فولي الفقيه في إيران وإن كان في الشكل يجري انتخابه من ناخبين يتحكم المرشد نفسه بتعيينهم، فإنّ القداسة الدينية أو الإلهية التي يجري إضفاؤها على ولي الفقيه، باعتباره نائب الإمام المهدي، وسلطته مستمدة من سلطة الإمام والرسول والله، تقوض مفهوم العقد الاجتماعي الذي قامت عليه الدول في عالمنا، أي أنّ السلطة تكتسب صلاحياتها انطلاقاً من الشعب، لا من الغيب أو من سلطة الهية.

واقع الحال في إيران أنّ النظام الإيراني الذي تكاد تختصره سلطة ولي الفقيه، وتطغى بما تضفيه على نفسها من أبعاد ما فوق بشرية، أسس في إيران فعلياً لديكتاتورية جعلت من الأشكال الانتخابية او الديمقراطية الشكلية، عنصراً تزيينياً وخادعاً ليس أكثر، ذلك أنّ مجرد إضفاء صفة القداسة الإلهية على موقع المرشد، مع ما لديه من صلاحيات دستورية تتجاوز سلطة الشاه، والتجاوز هنا ينطلق من أنّ الشاه لم يكن له صفة دينية، كان حاكماً مطلقا والمرشد أيضاً، اذ لا يمكن أن يصدر أيّ قانون أو أيّ قرار مخالف لرأي المرشد، بالإضافة إلى هذه الصلاحية الدستورية والسياسية، فإنّ بعدا آخر دينياً يجعل الراد على المرشد كالراد على الله وهذا ما لم يتجرأ الشاه على ادعائه.

بالتأكيد ليس النظام الإيراني هو الفريد في فلسفته للحكم والسلطة، هو مسبوق بنماذج تاريخية شهدتها مجتمعات ودول، قامت على أساس الحكم باسم الله على الارض، ولم تكن أوروبا في القرون الوسطى بعيدة عن هذا المنهج، فحتى الديانة المسيحية جرى استغلالها من قبل الكنيسة لاضفاء الصفة الدينية المقدسة على قرارات السلطة وأنظمة الحكم في العديد من الدول، كما أنّ التاريخ الاسلامي فيه من هذه النماذج التي قامت على فلسفة أن الخليفة او السلطان يستمد سلطانه من الله ومن الغيب، لا من وكالة الشعب.

هكذا كان أحمدي نجاد، الذي جاء إلى السلطة من مدرسة تعتبر أنّ الإمام الغائب هو صاحب السلطة الفعلية، وليس الشعب، ولذا كان بوسائل عدة يوحي بأنّ ما يتخذه من قرارات أو مواقف يتم بعد استشارة الإمام الغائب، وهو حاول من خلال هذا السلوك المزاودة على المرشد، من خلال سلوكياته الدينية والروحانية، بالقول أنّ الإمام المهدي إن كان يتواصل مع مرشد الثورة فهو أيضاً لا يبخل على رئيس الجمهورية وحكومته بالمشاركة في جلسات حكومته.

إقرأ أيضاً: إيران إلى أين؟

المفارقة تكمن أنّ فريق المحافظين الذي يحكم إيران من خلال المرشد، ونجاد من هذا الفريق وكان مرشحه للرئاسة، المفارقة أنّ هذا الفريق هو من يتهم اليوم أحمدي نجاد بالفساد، ويقوم بملاحقته قضائياً، بحيث صدرت أحكام بالسجن على عدد من المقربين منه ومستشاريه بتهم الفساد، وانفجار الاحتجاجات الأخيرة في مدينة مشهد، كان سببها إفلاس مشاريع كبرى طالت 130 ألف مستثمر من صغار المودعين الذين أغرتهم شركات مالية كان أحمدي نجاد وراء تأسيسها، وما لبثت أن انهارت نتيجة الفساد الذي تورط فيه مسؤولون في النظام كما تجمع المصادر المتابعة في ايران.

الوجه الأهم في الاحتجاجات الإيرانية على النظام الإيراني، هو الغضب على محاولة إضفاء القداسة الدينية على المفسدين، وفي جوهره احتجاج واعتراض على أسلوب إدارة الشأن العام، فالإيرانيون المعترضون الذين أشبعوا بشعارات العدالة الالهية وثورة المستضعفين، وجدوا أنّهم يعانون من الفقر المدقع والجوع، لذا كانت الاحتجاجات سببها اقتصادي وهذا شأن اعظم الثورات في العالم التي تنتفض من أجل مصالحها ودفاعاً عن حقها في العيش الكريم.

إقرأ أيضاً: النظام الإيراني على محك التهديد الداخلي

جوهر الانتفاضة الإيرانية يكمن اليوم في أنّها أسقطت البعد الأخلاقي الذي طالما التحفه النظام، فالنظام الإسلامي أو الإلهي هو فاسد، وتمّ وصفه بالاستبدادي ونال رأس النظام صفة الديكتاتور، وهذا بحد ذاته إنزال السلطة من عليائها، وتوجيه الاتهام إليها والدعوة إلى اسقاطها. فالنظام الإيراني انكشف بعد أربعة عقود على أنّه نظام لم يستطع معالجة الفقر في دولة هي من أغنى دول العالم بالثروات الطبيعية والبشرية، ببساطة شديدة الشعب الإيراني هذه المرة أسقط ورقة التوت المتبقية ليكشف عورة النظام وفضيحته وعجزه عن مواجهة أزمة الجوع والسلطة الالهية المطلقة في يد ولي الفقيه عاجزة عن تلبية أبسط متطلبات عيش الناس تحت عباءتها.

فشل يؤكد مجدداً المقولة المعروفة السلطة المطلقة مفسدة مطلقة. مقولة يستوي فيها من يحكم باسم الله أو باسم الشيطان.

السابق
بعد التشكيك بأهليته.. ترامب يغرّد: أنا عبقريٌ ومتزن جداً
التالي
السيد محمد حسن الأمين لـ«أوائل»: إيران تتجه أن تكون دولة علمانية