حبيب سروري يدعونا في كتابه «لِنتعلّمْ كيف نتعلّمْ»!

كتاب حبيب سروري
عن "دار رياض الريس" في بيروت، صدر للباحث حبيب عبد الرب سروري، كتاب جديد يحمل عنوان: "لِنتعلّمْ كيف نتعلّمْ! (استخلاصات شاهدٍ على حضارة جديدة)"، (وفي طبعة أولى 2017).

ويُصرّح الكاتب في مقدمة الكتاب قائلاً: في كتابي الجديد هذا، أنتقل إلى مرحلة جديدة تتجاوز نقاش مسلّمات ثقافتنا العتيقة ودحضها: أسعى هنا، بروح منهج أبي العلاء بالطبع، إلى الخوض في تعقيدات حضارتنا الجديدة لاكتشاف مفاتيحها وإجلاء أهم معالمها، ولا سيما في الفضاء الاجتماعي والثقافي والعلمي والتكنولوجي، ونقدها ومواجهتها والانخراط بها أيضاً، وذلك بغية تكريس حضور عربي أفضل فيها، وإثراء الحياة الثقافية والرقمية للقارئ العربي.

وينقسم هذا الكتاب إلى بضعة محاور: محوره الأول: “الطبيعة الإنسانية 2.0 في العمق، كثيراً عن الضجر الأزلي، لكن ثمة جديد في ملامحه وتجلياته تستحق الدراسة.

في هذا المحور نسلط الضوء على معالم كثيرة من طبيعتنا الإنسانية، من الغباء والضحك والنكتة إلى التفكير والخيال والسعادة. نخوض أيضاً في شفرة الحياة وشجرة أنساب الإنسان في ضوء علوم اليوم.

اقرأ أيضاً: ياسين الحاج صالح يوثّق «16 عاماً في السجون السورية»!

اللغة، كواجهة ووعاء للطبيعة الإنسانية، تهمّنا كثيراً في هذا المحور: تاريخها، كيف بدأت، وكيف بدأ الإنسان. ويهمنا هنا، بشكل خاص، موقع اللغة العربية اليوم. نواصل في هذا الكتاب مشروعاً بدأناه في كتاب “لا إمام سوى العقل” لتحرير هذه اللغة، وتطويرها قاموسيّاً وتقنيّاً، لتكون وطناً حديثاً يسمح بتفكير عصري منفتح على المعارف وأدوات العالم الرقمي والفكر العالمي الحر.

ينتهي هذا المحور الدائر حول الإنسان بفصول تُقدِّم الثقافة كوسيلة استيعاب الطبيعة الإنسانية وتعقيدات العالم، ومقاومة كآباته. الثقافة بوجهيها الأبولوي والدينونيزوسي، وترياقها المتخصص بتنقية المشاعر الجمعية بالكوميديا (“كاتارسيس”)، حسب مصطلح اخترعه الإغريق): المسرح.
المحور الثاني: كوكبنا الأزرق اليوم.
مهم جداً، بل في غاية الأهمية، استيعاب ما يعانيه كوكبنا الأزرق من تدمير لمنظومته البيئية جرّاء أنانية الإنسان، وغبائه الجذري كما قدّمناه في المحور الأول في فصل عن قوانين الغباء البشري، والبحث المجنون لحضارتنا المارقة وقواها المالية عن الربح السريع بأي ثمن.

فمارد الطبيعة يلفظ حمماً وتسوناميات يمكنها أن تغرق كوكبنا المسكين. احترام نواميسها لا يقبل التأجيل. هو شرط جوهري لبقاء حضارة الإنسان على الأرض. ولنا في موت “البطريق العملاق الأخير” (أحد فصول هذا المحور) عبرة يا أولي الألباب!

المحور الثالث والأخير من الكتاب: معالم حضارتنا الجديدة.
يحاول هذا المحور سبر أغوار أهمّ معالم هذه الحضارة الجديدة، ولا سيما في فضاء الانترنت والتكنولوجيا الجديثة، والحياة الاجتماعية الجديدة، وفي عوالم الذكاء الاصطناعي، في خلال العشر سنوات القادمة، وحتى عام 2027 تقريباً. تهمّني هذه السنوات بشكل خاص! أتابع برامجها بحكم عملي الجامعي. كان عام 2027 أيضاً مسرح روايتي الأخيرة: “حفيد سندباد” التي تدور أهم وأفتك أحداثها الروائية في خلاله.

كتاب حبيب سروري

مقالات عدة في هذا المحور تتناول معالم هذه الحضارة الحديثة: الأتمتة والتجسس الالكتروني، البيانات العملاقة، المسيطرون على لاوعينا الرقمي، المدن الذكية، القراءة الالكترونية والقارئ الضوئي الذي ما زلنا نفتقده وحدنا نحن العرب حتى اليوم، الموسوعات والمكتبات الرقمية الحديثة، “المووكات” (المساقات الهائلة المفتوحة عبر الانترنت: Mooc والتعليم الرقمي، الرقمنة والاسترقام، ومستقبل الذكاء الاصطناعي.

دَور التعليم في هذا المحور في غاية الأهمية. شرحنا في كتابنا السابق: “لا إمام سوى العقل” الأسس المتخلفة المتخثّرة للتعليم العربي، ولا سيما غياب تعليم ما وراء المعارف، المبنيّ على تحفيز عقلية التساؤل والشك والنقد والرفض وعشق الحرية والبحث عن البرهان والفصل بين الحقيقة الدينية والحقيقة العلمية، أي على تعليم طرائق صناعة المعارف الحديثة. وكذلك غياب تقديم المعارف للطالب عبر تشييد وتحديث بنية تحتية من المحاضرات والدروس والمقالات النموذجية المفتوحة للجميع، والتي تضمن الوصول الأمثل للمعارف إلى الإنسان، بأحدث وأسهل وأمتع الوسائل والطرق.

اقرأ أيضاً: هالة أبو حمدان تؤلّف في «العنف وتطوير مناهج التفسير»

لعلّ فصل: “عندما ينقطع في الجبين عرق الدهشة” يكشف بجلاء عمق مأساة وضعنا التعلمي العربي اليوم. إذا ما تذكرنا المثل الصيني الشهير “لا تعطني سمكة لعشاء هذه الليلة، لكن علّمني كيف أصطاد السمك لأتعشى مدى العمر!”، فجودة التعليم الحديث تكمن في أنه يُدرِّسُ المرء أولاً اصطياد السمك: ما وراء المعارف، ويُهديه أدسم السمك وأحلاه في الوقت نفسه: المعارف.
خلاصة القول: يتنقّل كتابي هذا في أقبية حضارتنا الجديدة، ليُبرز معالمها واتجاهاتها الرئيسة، بغية الاندماج بها سريعاً، ومن موقع أفضل: مقاوم فاعل نضاليّ ومؤثر. من موقع يعشق الوجهين الأبولوي والديونيزوسي للإبداع الإنساني.

كمهتمٍّ بالعلم والأدب معاً، أجد في عناق هذين الوجهين معاً ضالتي الأثيرة. تتمحور بوصلة كثير من فصول هذا الكتاب فيا تجاه ذلك العناق. ومن وحيه. ثمة، حيث تلتقي التكنولوجيا بالميثولوجيا، العقل بالخيال، الثقافة والفن بالكمبيوتر، والعشق بالمقاومة من أجل انتصار الإنسان والحرية والحياة.

السابق
خلاف بين عمدة لندن ووزارة الداخلية.. والسبب حزب الله!
التالي
سقوط أول سائقة سعودية ضحية حادث سير