عاصفة رفض عربية ودولية لاستفتاء كردستان العراق

مسعود برزاني
من المقرر ان يصوت الاكراد فى شمال العراق فى استفتاء حول الاستقلال. وفي حالة إجراء التصويت، يعتقد معظم المراقبين أنه سينجح بأغلبية ساحقة. لكن العديد من المراقبين يثيرون شكوكا خطيرة بشأن الاستقلال على المدى القريب.

ان جميع الدول المجاورة كالإيرانيين والأتراك إضافة الى حكومة بغداد يعارضون استقلال كردستان العراق. كما أن الولايات المتحدة، التي بذلت الكثير من أجل دفع مصالح الأكراد العراقيين أكثر من أي دولة أخرى في السنوات الماضية، تعارض الاستفتاء بشدة.

في بغداد وصف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الاستفتاء الذي يعتزم إقليم كردستان العراق إجراءه على الانفصال عن بغداد بأنه “غير دستوري”، وذلك بعد ساعات من رفض البرلمان العراقي للاستفتاء.
وقال العبادي في مؤتمر صحفي أن إصرار سلطات إقليم كردستان على إجراء الاستفتاء سواء في الإقليم أو في المناطق المتنازع عليها “سيعرّض أمن العراق والمنطقة إلى الخطر”. وتابع أن “فرض سياسة الأمر الواقع بالقوة من قبل سلطات إقليم كردستان بإجراء الاستفتاء، أمر مرفوض ولن يستمر”.
وأضاف أن “الأكراد حققوا منجزات بعد عام 2003 ما لم يحققوه خلال قرون، وأن الإصرار على إجراء الاستفتاء سيضيع ما تحقق”، داعيا المواطنين الأكراد إلى رفض الاستفتاء.
وعلى صعيد متصل، دعا أسامة النجيفي وإياد علاوي نائبا الرئيس العراقي رئيسَ إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني إلى إلغاء استفتاء الانفصال المقرر يوم 25 سبتمبر/أيلول الجاري “لتجنيب البلاد صراعات جديدة”.
وقال النجيفي -في بيان- إن “إجراء الاستفتاء بالإقليم الكردي ضمن حدود 2003 يشكل مخالفة دستورية واضحة، من واجبنا التحفظ عليها”.
واعتبر أن “ضم كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها للاستفتاء تصرف غير دستوري وغير قانوني، ويتضمن اعتداء جليا على حقوق المكونات المتآخية من عرب وتركمان، ولذلك نرفضه رفضا قاطعا”.
ودعا النجيفي العرب والتركمان في المناطق المتنازع عليها إلى رفض الاستفتاء وعدم المشاركة فيه.
كما أكد رفضه “أيّ نتائج يتمخض عنها الاستفتاء، ذلك أننا غير معنيين بها لعدم قانونيتها وتناقضها مع الحقوق والعيش المشترك للمكونات المتآخية”.

اقرأ أيضاً: الأكراد.. يقسّمون العراق وإيران وتركيا وسورية

الموقف التركي

من المرجح أن تشعر الحكومة التركية بالقلق من تصويت استقلال كردستان. والأكراد الذين يحملون الجنسية التركية يفوقون بكثير عدد أقاربهم العراقيين، سيما ان تركيا قاتلت الأقلية الكردية منذ عقود من أجل الحفاظ على وحدة دولتها. و كانت الاستثمارات التركية الكبيرة في كردستان العراق في جزء منها محاولة لضمان العلاقات الودية، ولكن تصويت الاستقلال الذي قد يجرّ الى مثيل له في تركيا سيعتبر عملا عدائيا.

الموقف الايراني

وقد أعلنت ايران الاسبوع الفائت أنها تعارض بشدة الاستفتاء المزمع إجراؤه في كردستان العراق في أيلول/سبتمبر القادم، مؤكدة أن طهران لها “موقف واضح من وحدة الأراضي العراقية”.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، مشيراً إلى قرار السلطات الكردية في أربيل: “إن القرارات المنفردة والبعيدة عن المعايير والأطر الوطنية والشرعية، ستؤدي إلى المزيد من المشاكل وتفاقم الأوضاع الأمنية في العراق”، بحسب ما جاء في وكالة فارس نيوز الإيرانية.
وأعلنت الأحزاب الكردية في إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بصلاحيات واسعة في شمال البلاد، يوم الأربعاء الماضي، عن تنظيم استفتاء حول الاستقلال في 25 أيلول/ سبتمبر المقبل.
وكانت إيران قد أعلنت رفضها لرفع العلم الكردي إلى جانب العلم العراقي الرسمي في المباني الحكومية بمدينة كركوك شمال البلاد، في الخطوة التي أثارت جدلاً واسعاً في العراق وخارجه.
ويرى محللون أن إثارة القضية الكردية سواء في العراق أو في تركيا وحتى سوريا، قد تنعكس على القضية الكردية في إيران نفسها، حيث تضطهد طهران منذ عقود أكثر من سبعة ملايين كردي غرب البلاد.
وتخشى إيران من استقلال إقليم كردستان في العراق، لأن مثل هذه الخطوة سوف تشجع الأكراد الإيرانيين، على المطالبة بالمزيد من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

اكراد

الموقف الأميركي

الولايات المتحدة الاميركية أعلنت انها تعارض بشده الاستفتاء، وقد استثمرت كثيرا في كردستان العراقية منذ 1991 وبعمق في العراق منذ 2003. وفي الحسابات الامريكيه ، يمكن ان يمثل الانفصال الكردي بداية تفتيت العراق ، وان يثيرعداوة الشركاء المهمين للولايات المتحدة ، وان يبدا التفكيك الرسمي للحدود في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وفي الأسبوع الماضي، ضغط وزير الدفاع جيمس ماتيس على الأكراد لتأجيل الاستفتاء، لكنه لم يقدم أي عصي ولا جزر، ولم يحصل على أي التزامات.

كل جانب يريد الآخر أن يرضخ أولا. إن القادة الأكراد الذين تحدثنا إليهم لا يتركون أي مجال للشك في إمكانية إقناعهم بتأجيل الاستفتاء – مقابل ثمن. ويقولون إنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد حقا وقف الاستفتاء، فإنه ينبغي أن تميل إلى بغداد لتكون أكثر سخاءا مع الأكراد. ويشير البعض إلى أن مكالمة من الرئيس التركي أردوغان قد تهدئ القيادة الكردية، ولكن لم يكن هناك أي شيء. ومن المحتمل أن تكون الولايات المتحدة قادرة على ان تدفع مثل هذه المكالمة الهاتفية من حليفها في الناتو، ولكن بأي ثمن؟
وفي الوقت الذي تعارض فيه واشنطن وبغداد التصويت على الاستقلال حتى داخل تلك المنطقة، فقد أعربوا عن قلقهم بشكل خاص من أنه سيجري عبر الجزء الأوسع عرقيا المختلطة في شمال العراق حيث لعب مقاتلو البشمركة الكردية دورا رئيسيا في طرد العرب السنة المتطرفين التابعين للدولة الإسلامية.

وخلال ثلاث سنوات من القتال الفوضوي، استولى مقاتلو البشمركة على أراضي متنازع عليها من جيرانهم العرب، كما تقول منظمات حقوق الإنسان ومسؤولون عراقيون. ويقولون إن الاستفتاء سيعزز التغيرات الديموغرافية التي يسببها الصراع، ويغذي المظالم القديمة للمجتمع العربي السني وربما يؤدي إلى اندلاع مصادمات بين الأكراد والعرب حول المناطق المتنازع عليها في أربع مقاطعات.
لكن المسؤولين الامريكيين والعراقيين يقولون ان النزاعات لن تحل بسهولة وخاصة فى محافظة كركوك الغنية بالنفط التى يزعم الاكراد والعرب على حد سواء ملكيتها. استولت البشمركة على المدينة المختلطة عرقيا في شمال العراق في حزيران / يونيو 2014، بعد أن فر الجيش العراقي إلى الجنوب عندما داهمت الدولة الإسلامية عبر الأراضي المتاخمة لكردستان.

وقال مسؤول امريكى رفيع المستوى “اننا نعارض الاستفتاء لعدد من الأسباب”. وأضاف ان “الأمر الرئيسي هو احتمالات العنف وخاصه إذا كانت في الأراضي المتنازع عليها مثل كركوك بمزيجها العرقي وقواتها المختلفه”

في حين أن التفاؤل بشأن الاستفتاء يرتفع بين العديد من الأكراد، فإن كردستان المستقلة ستواجه تحديات مالية كبيرة. مثل حكومة بغداد، تمتلك حكومة كردستان اقتصادا يعاني من نقص في السيولة يعتمد اعتمادا كبيرا على عائدات النفط التي انخفضت إلى أدنى مستوياتها هذا العام. وقد انتهى ازدهار العقارات في المنطقة في عام 2014، وأصبحت الرافعات الإنشائية التي تتنائر في أفق عاصمتها، إربيل، متوقفة عن العمل.

وتشعر الولايات المتحدة بالقلق من أن يؤدي الاستفتاء إلى كسر التعاون الوثيق بين حكومة كردستان وبغداد، وهو تحالف كان حاسما في هزيمة الدولة الإسلامية. يذكر ان الجيش العراقى الذى تدعمه الولايات المتحدة ويعمل مع الميليشيات الشيعية المدعومة من قبل البشمركة والايرانية دفع المجموعة الراديكالية الى الخروج من مدينة الموصل الرئيسية في شمالى البلاد وحققت نفس الشراكة انتصارا رئيسيا يوم الاحد فى بلدة تلعفر الاستراتيجية ، بالقرب من الحدود السورية. وبما أن المسلحين يختفون تحت الأرض لإعادة التجمع، فإن هذا التعاون سيظل حيويا.

ويوجه المسؤولون الامريكيون نداء الى رئيس حكومة اقليم كردستان مسعود بارزانى لافشال التصويت، خشية ان يزداد عدم الاستقرار في العراق فى منطقة تمر بالفعل بالاضطرابات. تشعر تركيا بالقلق من أن الاستفتاء قد يثير رغبة سكانها الأكراد في الانفصال عن أنقرة، حيث أن الأكراد في سوريا يبنون منطقتهم شبه المستقلة في شمال البلاد.

وقال المسؤول الامريكى ان الاستفتاء سيزيد ايضا من الانقسامات العرقية والطائفية فى العراق الذى يهيمن عليه الشيعة فى الفترة السابقة للانتخابات الوطنية المقرر اجراؤها فى الربيع المقبل. وقال المسؤول ان ايران المجاورة تحاول بالفعل استغلال هذه التوترات للحصول على مرشحيها العراقيين المفضلين – من المتشددين الشيعة – في السلطة، كما حذر المسؤول.

وفي غياب التزام من بارزاني بتأجيل الاستفتاء، يطلب المسؤولون الأمريكيون أن تظل النتائج رمزية وليست ملزمة. وقال مسؤول اميركي كبير ان واشنطن لم تتلق اي توضيحات من اربيل حول هذا الموضوع مضيفا ان الاكراد قالوا “انهم لن ينفصلوا عن العراق على الفور”.

اقرأ أيضاً: إيران والأكراد والتقسيم العامودي للعراق

وبينما تقول وزارة الدفاع ان المساعدات العسكرية ليست مرتبطة بالاستفتاء، فان مسؤولي البنتاغون يواصلون محاولات ثني الرئيس الكردي مسعود البرزاني عن قراره. وفي هذا الشهر فقط، جلس رئيس القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتيل ووزير الدفاع جيمس ماتيس كل على حدة مع بارزاني لحثه على التأجيل، والتقى مسؤولو تركيا والاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي أيضا مع الزعيم الكردي.

لكن بارزاني رفض جميع المناشدات. وذكر بيان صادر عن مكتبه انه طمأن فوتيل بان البشمركة ستواصل محاربة تنظيم الدولة الاسلامية وان “قضية الاستفتاء لن تكون لها اثارا سلبية على الحرب الجارية”.

السابق
بالفيديو شاب يعترف للقوى الامن انه كان تحت تأثير المخدرات
التالي
في ذكرى نداء بيان «جموّل»: ماذا عن توجيه نداء جديد؟