أبعد من الاكراد و«داعش»

يحمل التوغل البري التركي في شمال سوريا من المغازي أعمق بكثير مما هو معلن من أهداف. التوغل الذي يأتي بعد نحو مئة عام على انهاء الاحتلال التركي لسوريا، باستثناء طبعاً لواء الاسكندرون الذي أهدته فرنسا الى أنقرة كي لا تدخل الحرب العالمية الثانية الى جانب المانيا النازية، لا تقتصر اهدافه على حماية الامن القومي التركي من احتمال قيام دولة كردية سورية على المقلب الجنوبي من الحدود التركية، بينما مسألة محاربة “داعش” لم تكن يوماً على جدول أعمال أنقرة التي هي من صنع هذا التنظيم ومن غذاه ولا يزال من أجل استنزاف النظام السوري، ويكفي اصدار الامر من المخابرات التركية لـ”داعش” للانسحاب من أي منطقة سورية أو عراقية ليفعل ذلك دونما تأخير. وجرابلس شاهد على ذلك.

وعليه فإن التدخل البري التركي في سوريا، الذي تمكنت أميركا من اقناع الرئيس رجب طيب اردوغان بالاقدام عليه، يحمل في طياته رداً استراتيجياً على الدورين الروسي والايراني في سوريا، وخصوصاً بعدما بدا أن موسكو وطهران عازمتان على حسم معركة حلب إيذانا بتدشين مرحلة جديدة يأتي فيها الحل السياسي على غير ما تشتهي واشنطن. وكان انطلاق القاذفات الروسية من قاعدة همدان الجوية الايرانية مشهداً لم تستسغه الادارة الاميركية مطلقاً، لذلك كان لا بد من تحريك الدبابات التركية التي لا ينسى أحد انها دبابات أطلسية.

إذاً في الاستراتيجيا، يقرأ الدخول التركي الى سوريا على انه اندفاع أميركي في وجه روسيا وايران. وربما تساءل البعض ماذا ذهب اردوغان يفعل في بطرسبرج قبل اسبوعين، وماذا أتى وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف يفعل في انقرة، وفيمَ بحث نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في طهران قبل أيام، وماذا عن الاتصالات الايرانية – التركية الاخيرة، وماذا عن النبرة الجديدة التي حملها الخطاب السياسي حيال النظام في سوريا وافساحه مكاناً له في أية مفاوضات للحل السياسي؟

إقرأ ايضًا: هل قاتل داعش في جرابلس.. أم سلّمها لتركيا؟

هل كان كل ذلك بمثابة شراء للوقت. الغريب ان كل الضباب الذي خيم على العلاقات التركية – الاميركية، تبدد بمجرد وصول نائب الرئيس الاميركي جو بايدن الى مطار انقرة واعتذاره عن عدم المجيء في وقت أبكر للتعبير عن وقوف واشنطن الى جانب ديموقراطية اردوغان في مواجهة الانقلابيين. ما يجري في الشمال السوري وفي سوريا عموما لعبة أمم بامتياز. وها هي واشنطن عبر الاجتياح البري لسوريا، تقول لروسيا وايران انها لم تسلم اوراقها لا في سوريا ولا في الشرق الاوسط.
تضع اميركا اليوم الدبابة التركية في مواجهة “السوخوي” الروسية. وموسكو تدرك ربما أكثر من غيرها عمق الدلالات للتحرك التركي الاخير، ربما من اجل ذلك لم يبتسم الرئيس فلاديمير بوتين لدى وقوفه الى جانب اردوغان في مؤتمرهما الصحافي المشترك في بطرسبرج.

واذا كان ما يجري في سوريا لعبة أمم بامتياز، فلننتظر الرد من موسكو وطهران.

(النهار)

السابق
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم السبت في 27 آب 2016
التالي
نصرالله تخلّى عن عون