إيران: تزايد الدعوات لتغيير الدستور الذي يفرض أن يكون الرئيس شيعياً اثني عشرياً

«لا شيء» في برامج المرشحين لتنمية إيران هكذا عنّونت صحيفة «شهروند» (المواطن) الإيرانية على صفحتها الرئيسة بعد يوم من المناظرة الثانية بين المرشحين الستة للانتخابات الرئاسية الايرانية الثانية عشر منذ سقوط نظام الشاه عام 1979. اللافت أنه وبعد قيام نظام الجمهورية الإسلامية إثر استفتاء شعبي عام، حددت المادة الثانية عشر من الدستور الذي طرح أيضاً للاستفتاء الشعبي العام: «الإسلام الشيعي الاثني عشري هو الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب هو المذهب الجعفري الاثني عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير».
وإذ لم يكن أي من رؤساء الجمهورية الاسلامية في إيران منذ تأسيسها حتى الآن من الطائفة السنية، بسبب المادة (115) من الدستور التي تلزم المتقدم بطلب ترشيحه لمنصب رئاسة الجمهورية أي يكون شيعيا اثني عشرياً، فإن المخاطر التي تواجهها إيران بشأن القوميات والأقليات الدينية باتت جدية برأي الكثيرين، خصوصاً وأن معظم السنة الإيرانيين ممن لا يحق لهم بتقديم مرشح للانتخابات الرئاسية هم من القوميات أيضاً :البلوش والكرد والتركمان والآذريين إضافة الى العرب وهم ينتشرون في محافظات «كردستان»، آذربيجان الغربية»، «سيستان وبلوشستان»، « جلستان»، «خراسان الجنوبية»، «خراسان الرضوي»، «هرمزغان» و جنوب محافظة «كرمان». كما أنهم يتمركزون تاريخيا في مناطق أخرى من البلاد مثل «تالش» في محافظة جيلان»، «خلخال»، « أردبيل» ومحافظات فارس وبوشهر. إضافة إلى أن الكثير من أبناء الطائفة السنية يقيمون بصفة مهاجرين في 10 محافظات أخرى في إيران.
من هنا فإن «الشيء» المشترك في جميع الـ 16366 ممن تقدموا بطلبات ترشحهم للانتخابات الرئاسية في إيران أنهم من الشيعة حسب الدستور الذي طالب زعماء سنة بارزون بتعديل مواده ليكون الترشيح للانتخابات على أساس المواطنة.

دعوات لرفع الإقصاء وتعديل الدستور

وساد في الآونة الأخيرة نقاش شارك فيه معارضون ومنتقدون إضافة الى موالين لنظام الجمهورية الإسلامية، والنواب من الطائفة السنية في مجلس الشورى الإسلامي، حول ضرورة تغيير قانون الانتخابات وتعديل الدستور لأنهم يرون أن هذه الانتخابات ومع وجود سيف «الإقصاء» الذي يمارسه مجلس صيانة الدستور، ليست عادلة بل وسماها المعارضون بـ «التعيينات» وغير الديمقراطية.
وتعدى الحديث عن حق المسلم السني في الترشيح للانتخابات الرئاسية إلى غيره من المواطنين الايرانيين ممن يعترف الدستور بهم كأقليات دينية وهم (الزاردشت والمسحيون واليهود) علماً أنه يوجد في الأهواز جنوب غرب إيران الصابئة المندائيون، ولم يعترف بهم الدستور كديانة. وينطلق المطالبون بالسماح لهم بالترشيح للانتخابات الرئاسية من واقع أنهم جميعهم مواطنون ولدوا على نفس الأرض، ويؤدون واجباتهم وأهمها الدفاع عن البلاد في الحروب وقد قدم الكثير من أتباع المذهب السني والديانات الأخرى «شهداء» كما تسميه طهران في الحرب مع العراق وضد الإرهاب وتجار المخدرات وغيرهم، وصارت أسرهم تخضع لرعاية «مؤسسة الشهيد» التي لا تميز بين إيراني وآخر، فلماذا إقصاء نحـــو ربع الايرانيـــين من حق الترشيح ثم يُطالبون بالتوجه إلى صناديق الاقتراع!
وترتفع أصوات لتقول إنه يمكن تفهم أن السنوات الأولى منذ انتصار الثورة الاسلامية والاستعجال في كتابة الدستور، والمخاوف من تكرار فشل تجربة «المشـــروطة الدســتورية» عام 1906، دفعــت إلى وضع قيود حول مواصفات المرشح للانتخـــابات الرئاســـية، لكن بعد ســـنوات طويلة أثبت فيه الإيرانيون ولاءهم للوطن وللمــواطــنــة تحت سقف نظام ولاية الفقيه، فإن الحاجة إلى تغيير المادة 115 أصبحت أكثر من ضرورية في ظل التحديات التي تواجه إيران خارجياً.
ويقول الزعيم السني البارز في زاهدان «مولوي عبدالحميد»: «إن أحد أكبر الأخطاء التي إرتكبها الذين كتبوا الدستور الإيراني هي أنهم حددوا رئيس الجمهورية فقط ليكون من الطائفة الشيعية، فنحن جميعنا ننتمي لهذا البلد ونحن جزء من الشعب الإيراني، وهذا البلد هو بلد جميع القوميات والطوائف ولا ينبغي أن يفرق بين شيعي وسني أو فارسي وبلوشي».

ضغوط على روحاني لتعيينه مسؤولين سنة

وأشار الرئيس حسن روحاني الى حجم الضغوط التي واجهها وهو يعين مسؤولين من السنة واشار الى أنه جوبه بهذه الضغوط من التيار المتشدد عندما عين امرأة سنية في منصب قيادي في إحدى المدن التي تقطنها غالبية سنية، لكنه نجح أيضاً ولأول مرة منذ انتصار الثورة في تعيين سفير سني(في فيتنام وكمبوديا) ونائب لوزير في إحدى الوزارات، واعداً بالمزيد من التعيينات في حكومته المقبلة لوفاز بالرئاسة على قاعدة الكفاءة والمواطنة، وهذا هو ما يستدعي كما يرى المؤيدون لنظام الجمهورية الاسلامية، أن تبدأ الاستعدادات لاجراء تعديل دستوري يكرس مبدأ «المواطنة» ويلغي القيود التي قد يستفيد منها أعداء إيران في الخارج لتحريك ملف «القوميات والأقليات»، وبالتالي تفكيك البلاد، في ضوء ما يجري في سوريا والعراق وحتى في ليبيا، وما يقال عن مخطط لتقسيم هذه البلدان وربما بلدان أخرى في المنطقة.
ورغم أن غالبية السنة في إيران شاركوا خلال العقود الأربعة من تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية في الانتخابات الرئاسية كناخبين، وبرزت أصواتهم بشكل تقليدي لصالح المرشح الاصلاحي أو المدعوم من تيار الإصلاح، يعني أنهم يصوتون لصالح المرشح يعد بإنهاء التمييز الدستوري ضد الأقليات الدينية والمذهبية، وإعطاء المزيد من الحريات السياسية والإدارية، إلا أن الواقع الجديد بحسب كثيرين في إيران ، و بعد تهديدات ولي ولي العهد السعودي بنقل الحرب إلى داخل إيران، يدعو إلى المزيد من إجراءات تعزيز اللحمة الوطنية ،وإن كان ذلك على حساب تعديل الدستور سيما وأن مهمة الرئيس(حتى لو كان غير مسلم) هي تنفيذ الدستور والعمل تحت رقابة مجلس الشورى الذي يعمل هو تحت سلطة ورقابة مجلس صيانة الدستور.
والملفت في كل الانتخابات الماضية أن السنة لعبوا دوراً مفصلياً ساهم في تعزيز فوز الرئيس الأسبق محمد خاتمي بالرغم من أن حكومة خاتمي لم تضم أي شخصية سنية، إلا أنه سمح للسنة لأول مرة بشكل رسمي بتأسيس الصحف والمجلات ودور النشر الخاصة بهم.

أحمدي نجاد والسنة

لكن وفي الدورة التاسعة للانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2005 والتي فاز بها الرئيس السابق والمثير للجدل محمود أحمدي نجاد، لم يكن الأخير معروفا للرأي العام حينها، فكان بعض السنة يعتبرونه من خارج المؤسسة الحاكمة في النظام، ومن جهة أخرى كان منافسه الشيخ «أكبر هاشمي رفسنجاني» الذي يفتقر لبرنامج انتخابي واضح. هذا الأمر سبب إرباكا واضحا لدى الطائفة السنية تسبب في تشدد الأصوات بين أحمدي نجاد ورفسنجاني.

إقرأ أيضاً: إيران عززت موقع الشيعة في سوريا

ومع تولي أحمدي نجاد رئاسة البلاد عانت إيران من أسوأ ظروفها منذ 19799، وحينها تمكنت الحكومة بمساعدة مجلس الشورى الإسلامي التي كانت تسيطر عليه أغلبية مؤيدة لأحمدي نجاد من إقرار قوانين رقابية مشددة على جميع النشاطات الدينية للأقليات من بينها نشاطات الطائفة السنية ومدارسها، وأقر قانون تحت مسمى « لجنة التخطيط لمدارس العلوم الدينية لأهل السنة في البلاد».
وتم إيداع عدد كبير من النخب السياسية والدينية من الطائفة السنية السجون بتهم مختلفة، وتم إعدام الصحفي البلوشي «يعقوب مهرنهاد» في 2010. وأودع «أميد كواكبي» الحاصل على مرتبة الأولى في بين النخب العلمية في مجال الفيزياء النووية السجن في 2010، حيث حكم عليه بالسجن عشر سنوات، لكن في العام الماضي تم إطلاق سراحه بسبب سوء وضعه الصحي حيث أصيب خلال سنوات سجنه بسرطان الكلى.
إضافة على هذا كله يمكن الإشارة إلى عدد من الإجراءات العقابية التي اتخذتها حكومة أحمدي نجاد آن ذك من بينها تخريب وإغلاق المساجد السنية في طهران وعدد آخر من المدن الكبيرة في إيران.

إقرأ أيضاً: معارض إيراني: الدعارة تنتشر بين فقرائنا.. وأموالنا تُرسل إلى نصرالله!

ومع المعطيات الجديدة يبدو روحاني الأقرب إلى السنة خاصة مع وعدهم بتمكينهم من المشاركة السياسية بشكل أوسع وبتلبية مطالبهم الاجتماعية والسياسية. وفي هذا الخصوص نشر بيانه المشهور والذي عرف بـ « حقوق القوميات والأديان والمذاهب» والذي شمل عشرة بنود. وجاء في بندها الثاني وعوداً بإشراك أكبر للأقليات الدينية والقومية في الحكومة وإدارة البلاد بغض النظر عن انتماءاتها العرقية أو الدينية، وعدم التدخل في شؤونهم العقائدية والدينية وإعطائهم الحريات التامة في ما يتعلق بالمعتقدات الدينية والمذهبية وإتاحة الإمكانات اللازمة لإنشاء أماكن عباداتهم بشكل متساوي مع باقي الطوائف في إيران بما فيهم الشيعة.
لكن هل تمكن «روحاني» من الالتزام بوعوده الانتخابية؟
وهل سنشهد تعديل فقرة «الرئيس الشيعي الاثني عشري» خصوصاّ وأن السنة في إيران أثبتوا خلال العقود الماضية بأنهم قادرين على تغيير المعادلة السياسية وتقرير مصير الانتخابات الرئاسية في البلاد؟
أم سيبقى كل شيء على حاله فيما يتعلق بالدستور استنادا إلى رأي يقول إن مساعي تغيير الدستور جزء من «ثورة ناعمة» تهدف بالتالي الى تغيير نظام الجمهورية الاسلامية برمته والانقلاب عليه؟!.

السابق
هوامش على الجنسية اللبنانية
التالي
بعد نصف قرن.. تفكيك جريمة كامل مروّة