البخاري عند الصدر: إنفتاح على الاعتدال الشيعي

طارق ترشيشي

كان لقاءً ودّياً بين السيّدة رباب الصدر ونجلها النائب الأوّل لحاكم مصرف لبنان الدكتور رائد شرف الدين مع رئيس البعثة الديبلوماسية السعودية في بيروت الدكتور وليد البخاري، فاحت خلاله ذكريات العلاقة المتينة التي كانت تربط الإمام المغيّب السيّد موسى الصدر بالقيادة السعودية، وتحديداً صداقته الكبيرة مع الملكين الراحلين فيصل وعبدالله بن عبد العزيز.صورتان للإمام الصدر تجمعانه مع كلّ مِن الملكين فيصل وعبدالله حملهما البخاري هديةً للسيّدة الصدر ونَطقتا بتاريخ علاقته الوطيدة مع هذين الملكين، وتحديداً الملك عبدالله «الذي كنّا نحن وإياه بيتاً واحداً»، تقول الصدر، مضيفةً أنه «كان رحمَه الله يكنّ للإمام ولنا كعائلة، محبّة كبرى، وما مِن مناسبة زرنا فيها المملكة للحجّ أو العمرة أو غيرها إلّا وكنّا موضعَ رعايته واهتمامه».

اقرأ أيضاً: فتوى خامنئي: لبنان بعد اليمن

تنهّدت الصدر، وكتمت دمعة، عندما شاهدت الصورتَين، لتكرّ على لسانها ذكريات العلاقة بين الملكين وبين الإمام، وتتحدّث عن نهجِ الإمام الصدر وانفتاحه على الجميع في العالمين العربي والإسلامي، وتشير إلى التنوّع الذي يسود مؤسسات الإمام الصدر التعليمية والتربوية والثقافية والاجتماعية، حيث إنّها تضمّ طلبةً وموظفين مع كلّ ألوان الطيف اللبناني الإسلامي والمسيحي، يعكسون صورةَ لبنان الواحد التي أحبَّها الامام الصدر ودافعَ عنها حتى إخفائه، لإيمانه العميق بـ»لبنان الوطن النهائي لجميع أبنائه».

تنصت السيّدة الصدر قليلاً للبخاري متحدّثاً عن سعادته بزيارتها، ومعتذراً ومتأسّفاً عن تأخّرِه في القيام بها، ومنوِّها بفِكر الإمام الصدر المنفتح والمعتدل والحواري، وذلك من خلال قراءاته عنه، ومشيراً إلى ما تكنّه المملكة من تقدير لعائلته المستمرّة في نهجه المعتدل ورسالته الحوارية الحضارية.

ثمّ يتوقّف البخاري بإعجاب عند سيرة السيّدة الصدر وكيف أنّ الإمام قد سَمح لها في صِغرها بالدخول إلى المدرسة انطلاقاً من فهمِه وتقديره لدور المرأة في المجتمع الإسلامي والإنساني، وإيمانه بقدرتها على الإبداع لِما فيه خيرُ المجتمع والناس.

وهنا عقّبَت السيّدة الصدر شارحةً كيف أنّ شقيقها الأكبر عارضَ دخولها المدرسة فيما الإمام الصدر وقفَ إلى جانبها وشجّعها، ولكنّه في الوقت نفسه حمّلها المسؤولية، إذ قال لها: «إنّ مصير بقيّة بنات العائلة متعلّق بك، فإذا نجحتِ سيلحقنكِ إلى المدرسة وإذا فشلتِ لن تكون لهم فرصة التعلّم».

تقول الصدر إنّها درست وثابرَت وأثبتت جدارةً ونالت دوماً تشجيعَ شقيقها الإمام إلى درجة أنه «أرسلني إلى إيطاليا للتخصّص في تصميم الأزياء، وتمكّنتُ من إنجاز تخصّصي الذي يستلزم ثلاث سنوات بسنة واحدة، وهو تخصّص كنّا نحتاج إليه في مؤسساتنا، ومنه الخياطة الصناعية». وروَت كيف أنّها كانت الطالبة الوحيدة المحجّبة في صفّها «إلى درجة أنّ أحدهم سألني يوماً هل إنّني أعاني من مرض يفرض عليّ الحجاب».

وروَت الصدر أنّها لم تُعانِ اثناء وجودها في روما أيَّ مشكلة في الحجاب، إذ كانت إلى جانبها زميلة مسيحية تلبس حجاباً كحجاب السيّدة مريم العذراء، ونشأت بينهما علاقة وطيدة طوال فترة الدراسة، مشيرةً إلى أن زميلات لها كنَّ يدعينَها لزيارة كنائس، وهي كثيرة في روما.

رباب الصدر

وبعد التوقّف عند نشاطات مؤسّسات الصدر ودورها في مختلف المجالات، أبدى البخاري رغبتَه في أن يزور هذه المؤسسات لاحقاً في مقرّها الرئيسي في مدينة صور، فرحّبَت الصدر بهذه الزيارة ولفتته أنه سيرى هناك ما يدلّ على نجاح هذه المؤسّسات في الدور الذي تضطلع به، فهي أمانة الإمام لدى عائلته ومحبّيه ومؤيّديه، وهم ينتمون إلى جميع الطوائف.

يُطلع البخاري السيّدة الصدر على النشاطات الثقافية المتنوّعة التي تقوم بها السفارة السعودية في بيروت منذ أشهر تحت عناوين عدة، وأبرزُها «لبنان يجمعنا»، وذلك بغية تعزيز وتطوير العلاقات اللبنانية ـ السعودية في مخلتف المجالات، وهذه النشاطات بدأت بالمفكّر أمين الريحاني، وستُستكمل لتشمل بقية الرموز كجبران خليل جبران وآخرين من الرجالات الذين كانت لهم بصماتهم في تاريخ العلاقة اللبنانية ـ السعودية، ومن ضمن هذه النشاطات سيكون للإمام موسى الصدر حلقة مميّزة تتناول فكرَه واعتداله بوجههما الديني والسياسي وإيمانه بالحوار والعيش الواحد والاعتراف بالآخر وحِرصه على وحدة العرب والمسلمين. فرحّبت الصدر ونجلها رائد بالفكرة واعدَين في دعم تنفيذها لأنّ الإمام الصدر كان للجميع فكراً وممارسة.

مسكُ ختام اللقاء كان ميدالية السفارة السعودية، قدّمها البخاري للسيّدة الصدر هديةً تذكارية، واتّفاق على استمرار التلاقي والتواصل والتعاون. وسلّم البخاري الميدالية للصدر يحوط بها نجلها رائد والمستشاران في السفارة خالد السعدون وماجد مانع أبو العلا، ومسؤول مكتب الإعلام في السفارة غسان اسكندراني.

أراد البخاري من زيارته للسيّدة الصدر تأكيد دور المملكة العربية السعودية المحبّ للبنان بكلّ فئاته، وكذلك تأكيد رسالة المملكة في التواصل مع الاعتدال اللبناني عموماً والشيعي خصوصاً، حيث إنّ الإمام الصدر يشكّل أبرز مناراته، بل إنه كان أولَ دعائمه ودعاته في لبنان ومن الشرق إلى المغرب.

كذلك أراد البخاري، حسب أحد المعنيين، تأكيدَ انفتاح السعودية على كلّ التيار الاعتدالي والعروبي على مساحة لبنان كلّه، مضيفاً أنّ هذا هو نهج المملكة في السابق وفي اللاحق، وهي ما تخلّت ولن تتخلّى عن هذا النهج، وعن التواصل مع الاعتدال الإسلامي عموماً، والشيعي خصوصاً، وكذلك لن تتخلّى عن الأخوّة والصداقة والتواصل مع كلّ القوى السياسية المعتدلة، ونبذ التطرّف والفكر الإقصائي والإلغائي.

السابق
طفلة سورية تقاوم الموت في مستشفيات بعلبك: كلفة العملية أكبر من مقدرة الوالد!
التالي
كليب ميريام كلينك ممنوع من البث.. والغرامة 50 مليون ليرة!