عندما أبْكَى الرفيقُ الأممَ..

في ذكراه يسترجع العديد منا مواقف للرئيس الشهيد رفيق الحريري..ز فماذا يتذكرون؟

رفيقُ الحريري مصطلحٌ للصلحِ خيرٌ، فمِنْ رحِمِ الفقرِ نَشَأَ لِيَتَرَبَّعَ بتوفيق الله على عرش الغنى، واغتربَ ليعودَ الوطنَ بَنّاءً لحجر السكن والمدرسة والجامعة مشيِّداً مؤسساتِ الدولةِ لِتَخْدُمَ رعيتَها،فلم يُحرِّضْ ولم يَخُضْ حرباً لينالَ منصباً على أشلاءِ الأبرياء، بل سلَّ خرطومَ المياهِ ليُطْفِئَ حرائقَ الخرابِ والطائفيةِ وَلِيُنظِّفَ مخلَّفاتِ حربِ الآخَرينَ على أرض لبنان.

إقرأ أيضا: قصَّة تَرْوِيْها دمعةُ نازحٍ

أرادَ لبنانَ بيتَه، فرسَمَ خريطةً لإعادة بنائِه وترتيبِه على صورة قصر قريطم، وحَرِصَ على مواكبة الإعمار بشخصه لِتَنْعَمَ به أجيالُ الحاضرِ والمستقبل وليفخَرَ به أمامَ العالم مبتهلاً بدعائه: ربِّ اجعَلْ لبنانَ بلداً آمناً وارزُقْ أهلَهُ من الخيراتِ وراحة البال.

ورغمَ مشاريعِه العمرانيةِ والنهضويةِ كان البعضُ يَكِيْدُ له كَيْداً حاملاً معولَ الهدم وأداةَ التخريب، فقابلَه بالصبر والإحسان إليه ومستوعِباً كلَّ طامِعٍ وخائنٍ وسارِقٍ ومعتدي، لأنَّه لا يملك إلاَّ لغةَ السلام، فهو ابنُ بيت كريمٍ يُحَبُّ الفقراءَ ويُجالِسُ شعْبَه الذي رأى فيه رأفةَ الأبِ وحنانَ الأمِّ وشفقةَ الأخ، لذا أحبَّهُ وعَشِقَ فيه تواضُعَه وإنسانيتَه، فبابه كانَ مفتوحاً لكل زائر ومحتاج، فعانقَ بأخلاقه رقابَ السائلين واليتامى والأرامل ومن ضاقت بهم الدنيا وسُبُلُ العيش، واتَّسَعَ صدْرُهُ لكلِّ حاقدٍ وكارهٍ وحاسدٍ ومخادعٍ وغادرٍ، فَيُغِيظُهم بضحكته المستبشِرَة وبابتسامتِه التي لا تحْمِلُ إلا رسائلَ المحبةِ والمودةِ للقريب والبعيد وللصديق وللبغيض، لكنه ما ظنَّ يوماً أنهم سيتآمروا ويَجْرُؤوا على سفكِ دَمِه وإزهاقِ روحِهِ وإلغاءِ حالتِهِ الشعبية، لكنَّ المُجرمَ ضاقَ صدُرُه بالحريرية التي جالتِ القاراتِ السبعَ ومحيطاتِها حاملاً همومَ وطنٍ مُثْقَلٍ بالملفاتِ الساخنة والقضايا المعقَّدة، فأرادَ أنْ يكونَ المَرْهَمَ والبلسَمَ الشافيَّ للجرح النازف من جسم الوطن. حتى اتُّخِذَ القرارُ فكانَ الانفجارُ الذي هزَّ أركانَ الأرضِ مِن جهاتِها الأربع، فَبَكَتْهُ على فراقِه العيونُ وحزنَتْ على استشهادِه القلوبُ، فجَسَدُهُ وروحُهُ الطيَّبَة بأي ذنبٍ قُتِلَت وفجِّرَتْ بمتفجِّرات الحقد الأسود؟

إنه الشهيدُ الذي انْحنتْ على قبره جباهُ قادةِ الأمم وزعماءِ العالم وبكاهُ كلُّ حبيبٍ ورفيقٍ وصديقٍ وعزيزٍ وحتى الخصمُ الشريفُ، فاستشهادُه زلزالٌ لم يهدأ بعدُ، وما زلنا نسمع مفاعيلَ الاغتيال الذي سيسقط عرشَ وممالكَ َمن حَرّضَ ودَبّرَ وخَطَّطَ ونفَّذَ،{ولا تحْسَبَنَّ الله غافِلاً عمَّا يعملُ الظالِمونَ}.

ولستُ هنا قاضياً لأحكُمَ على هوية قاتله، فعلمُها عند ربي، والراسخون في المخابرات والإتصالات وخبايا الأمم والأنظمة يعلمُون الآمِرَ والمأمُورَ. والله إنَّ لموته حرارةً في صدرنا لن تنطفئ، فتتجدد الذكرى ومعها الألم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا نقولُ إلاَّ ما يرضي ربَّنا، فإنَّ العينَ لتدْمَع، وإن القلبَ لَيَحْزَن، وإنَّا لَعَلَى فراقِكَ أيها الرفيقُ الشهيدُ لمتَأَلِّمُون ومحزوُنون، ولروحك منا سلامٌ وصلاةٌ وبركاتٌ من السماء ورحمة الله ومغفرتُه. سائلين الله أن يُكْرَمَ خليفَتَهُ ببطانةً صادِقةٍ صالحةٍ تُرشِدُه للخير وصالح الوطن والمجتمع. وكان الله في عون السعد.

وأختمُ بصريح العبارة:لقد ارتكتَبَ الخطيئةَ القائلُ بأنَّ الشيعةَ قتلوه، كما أخطأ مَنَّ اعتقدَ أنَّ السُّنَّةَ مَنْ قتلوا الإمامَ الحسينَ وآلَه الكرام.
فالقاتلُ قَتَلَ نَفْسَاً بريئةً بغيرٍ حق، والدفاع عنه مصيبةٌ وجريمةٌ لا تُغْتَفَر.

السابق
لا فراغ ولا تمديد…«الستين» في أيلول
التالي
المستقبل يتهم حزب الله بالعرقلة: النسبية أو النسبية