كيف ننجح في انقاذ عجز القطاع العام واستنقاذه؟

محاربة الفساد
في الحلقة الثانية من مقالة الدكتور باتريك المارديني يقترح فيها الحلول المناسبة للقضاء على الفساد في القطاع العام.

عدم وجود أسعار*واضحة، وعدم وجود سوق تنافسي، وعدم دفع متلقّي الخدمة للكلفة الحقيقية، والجباية القسرية للضرائب يؤدي تلقائياً إلى هذه النقاط الستة، حتى لو تمتع جميع العاملين في القطاع العام بأرفع الأخلاق. لذا، تفشل إدارات الدولة بتأمين الخير العام. فما الحل لهذه المعضلة؟

يمكن تقسيم الحل إلى مرحلتين. تنص المرحلة الأولى على وقف توسيع مروحة القطاعات الخاضعة لتدخل الدولة. لا يمكن بعد اليوم القبول بمبدأ تدخل إضافي للدولة بالاقتصاد، وتأمين الخدمات العامة، إذ أنها غير قادرة على إدارة المؤسسات العامة الحالية بشكل مناسب، فكيف لنا أن نطلب منها القيام بالمزيد؟ يجب التخلص من هذا الوهم الذي يؤمن بأن الدولة لو صدقت نواياها، لإستطاعت حل جميع المشاكل عبر إنتاج السلع والخدمات. إن النتائج الغير مقصودة للتدخل، أي النقاط الستة، تتخطى باشواط أي أثر إيجابي.

إقرأ أيضا: هل فساد الموظف هو سبب ازمة القطاع العام؟

في المرحلة الثانية، يجب إعادة النظر بجميع المؤسّسات العامة، ووقف تغطية خسائرها، والبدء بمكافأة المسؤولين عنها في حال الربح، وتحميلهم المسؤلية في حال الخسارة. ستؤدي هذه السياسة إلى إرتفاع بأسعار الخدمات العامة يوازيه إنخفاض مماثل في نفقات الدولة، إذ أن كلفة الإنتاج قد تحولت من دافع الضرائب إلى المستفيد من الخدمة. ولكن يمكن ضبط الإرتفاع بالأسعار عن طريق تحرير السوق، والسماح للمنافسة في القطاع. فلماذا مثلاً لا يسمح لمستثمرين بشقّ الطرقات، واستثمارها، وتحصيل عائداتها مباشرةً من متلقّي الخدمة، بدلاً من تحميل أعباء شقّها لدافع الضرائب؟ ألم يحن الوقت للتخلص من زحمة السير الخانقة؟ ولماذا لا يسمح للمواطن اختيار الشركة التي يريدها أن تجمع نفاياته ؟ ألم يحن الوقت لوقف تكدس النفايات ؟ ولماذا تحرم الشركات من رخص إنتاج الكهرباء؟ ألم يحن الوقت للتخلص من الإنقطاع المستمر والتلوث الحالي؟

إن فتح السوق على المنافسة والسماح للقطاع الخاص بإنتاج ما كان حكراً على الدولة يختلف عن مبدأ الخصخصة، إذ تبقي الدولة على انتاجها للخدمة أو السلعة، لكنها تسمح لشركات أخرى بدخول القطاع والمنافسة. فإذا استطاعت تلك الشركات البيع بسعر أقل، أو نوعية أعلى، يتشجع المواطن على الشراء منها، ما يدفعها لإنتاج المزيد. أما إذا ما قدمت خدمة رديئة بسعر مرتفع، فلا يشتري أحد منتجاتها وتجبر على تحسين النوعية، وتخفيض السعر، أو ترك السوق لمن هو أفضل. لذا تتجه معظم دول العالم اليوم إلى فتح السوق على المافسة، فيتنافس 9 شركات في فرنسا وحوالي 45 شركة في المملكة المتحدة على تأمين الكهرباء. كما تحتدم المنافسة في قطاع النقل الجوي، وجمع ومعالجة النفايات، وحتى الصناعات العسكرية ومعمال الطاقة النووية، إذ أن المنافسة تعطي نتيجة أفضل بأشواط من إدارة الدولة .

إنّ واجبات الدّولة لا تقتصر على تأمين الخدمات العامّة، وتطوير البنى التّحتية، والإهتمام بالقطاعات الاستراتيجية فحسب، بل تتعداها لتأمين جميع مقوّمات الحياة الكريمة من مأكل، وملبس، ومسكن، وراحة، ورفاهية. لكن كلّ ذلك لا يعني أنه على الدّولة إنتاج هذه السّلع والخدمات بنفسها، إذ إنّ ذلك سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى سوء النّوعية. لقد حان الوقت لمراجعة وضعيّة جميع القطاعات العامّة، والقيام بالإصلاحات الجذريّة، من أجل بناء غدٍ أفضل.

*رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق

 

السابق
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الثلثاء الواقع في 7 شباط 2017
التالي
بالفيديو: لحظة القبض على شاب حاول حرق الكعبة المشرفة