لبنان هل يتحوّل إلى إحدى ساحات «المنازلة» الأميركية – الإيرانية؟

بلغ الصراع السياسي حول قانون الانتخاب العتيد في لبنان ذروته كونه الممرّ لرسْم التوازنات في السلطة، وسط استنفارٍ سياسي - طائفي يتعاظم مع العدّ التنازلي لساعة الصفر في الواحد والعشرين من الشهر الجاري، والتي تضع الجميع أمام معادلة قاسية، فإما الانصياع لـ «التسوية الممكنة» التي تتطلّب تَجرُّع القوى السياسية «تنازلاتٍ متبادلة» حيال صيغةٍ توافقية لقانون الانتخاب وإما الذهاب الى أزمةٍ سيايسة - دستورية مفتوحة على سيناريوات غامضة بعدما توعّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأنه سيعطّل إمكان إجراء الانتخابات المقرَّرة في مايو المقبل استناداً الى قانون الانتخاب الحالي في حال فشلتْ المساعي بالتواصل الى إقرار قانون جديد، وهو الأمر الذي من شأنه ان يَتسبب بـ «فراغٍ» في السلطة التشريعية.

ورغم ان الوقت ما زال متاحاً أمام القوى السياسية لإبرام «صفقةٍ» في ربع الساعة الأخير تتيح الاتفاق على قانونٍ ما لإجراء الانتخابات بعدما أيقظ الصراع المحموم ما يشبه «الحرب السياسية – الطائفية الباردة» في البلاد، فان الواقع اللبناني مرشّح للانتقال الى «عين العاصفة» الاقليمية وعلى نحو أكثر إثارة ودراماتيكية في ضوء الهبّة الساخنة في العلاقات الاميركية – الايرانية، والتي من غير المستبعد ان يكون لبنان جزءاً من ساحاتها، انطلاقاً من مكانة «حزب الله» وأدواره كواحدٍ من أذرع المشروع الايراني (وربما رأس حربته) في المنطقة التي دخلتْ «عهد» دونالد ترامب من البوابتيْن الايرانية والسورية و«هوامشهما».

ولم يكن أدلّ على وهج المواجهة الايرانية – الاميركية التي أصابتْ لبنان في فصولها الاولى، من حدثيْن متزامنيْن أضمرا إشاراتٍ توحي، وعلى رغم «محدوديتهما»، بأن الآتي أعظم، وهما:

• إدراج الإدارة الاميركية اثنين من «حزب الله» في اطار قائمة العقوبات الجديدة على 13 فرداً و 12 كياناً ايرانياً لعلاقتهم بـ «الأنشطة الارهابية»، اضافة الى شركات عدّة في لبنان، أكدت وزارة الخزانة الاميركية انها جزء من شبكة دعم ميليشيات «حزب الله».

• اعلان قيادة قوة «اليونيفيل» المعززة في جنوب لبنان اول من امس، ان مجموعتين من الرجال «العدائيين» حاولتا الاعتداء على دوريتين تابعتين لـ «اليونيفيل» في محيط منطقة المنصوري – مجدل زون (القطاع الغربي)، مشيرة الى ان هؤلاء الرجال حاولوا إلحاق الأذى بجنود حفظ السلام.

هذا النوع من التطورات يعني ان لبنان لن يكون بمعزل عن الاشتباك الاميركي – الايراني، فإدارة ترامب التي رأت ان ايران «تلعب بالنار»، تعتبر «حزب الله» جزءاً من منظومة الحرس الثوري في المنطقة، وايران التي قررتْ «الرد بالمثل» ستوكل الى حلفائها في العراق وسورية ولبنان واليمن أخذ المبادرة في هذا الردّ بعدما تعوّدت المواجهة بـ «الواسطة» في الساحات اللاهبة.

ورغم المؤشرات التي تشي بإدراك طهران لمدى جدية تهديدات ترامب العائد الى المنطقة بقوّةٍ عبر تنسيقٍ مع دول خليجية وبأداءٍ يوحي بـ «إدارة الظهر» لموسكو، فمن غير المستبعد قيام الأذرع الإيرانية في المنطقة بخطواتٍ استباقية لـ «إشغال» الولايات المتحدة وإفهامها ان انتقالها الى حال الهجوم في المواجهة مع ايران لن يكون نزهة، وتالياً فان الساحات في العراق وسورية ولبنان ستكون على موعد مع «رسائل» في هذا الاتجاه، وخصوصاً ان الرهان الايراني على «عقْلنة» سلوك ترامب الذي يفتقد الى الخبرة، لن يكون مجدياً في المرحلة الراهنة.

ومن غير المستبعد في هذا السياق ان يرفع الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في اطلالته المرتقبة منتصف الجاري من وتيرة تصعيده ضدّ اسرائيل في اطار «عرض قوة» لإفهام الاميركيين ان تل ابيب «رهينة» في قبضة صواريخ الحزب وترسانته وما يملكه من أسلحة ذات طبيعة «استراتيجية»، وهو التصعيد الذي كان يتجنّبه الامين العام لـ«حزب الله» في الأعوام الأخيرة بعدما احتلّت حربه في سورية الأولوية على المواجهة مع اسرائيل.

وإزاء هذه «النقلة» في المواجهة الأميركية – الايراينة في المنطقة، سيكون من الصعب تَوقُّع تداعياتها على لبنان من بوابة «حزب الله» وأدواره في لبنان وسورية، الأمر الذي يضفي خطورةً بالغة على المأزق السياسي – الدستوري الذي يخيّم على البلاد نتيجة الصراع بـ «السلاح الابيض» الدائر حول لعبة الأحجام في السلطة وتوازناتها انطلاقاً من الخلافات المستحكمة حول طبيعة قانون الانتخاب وتقسيماته، وهو الاختبار المفصلي للتسوية السياسية الكبرى التي كانت أتت بالعماد عون رئيساً للجمهورية وبالرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة.

ولم يعد مستغرَباً في بيروت السؤال عن مصير هذه التسوية في ضوء التطاحن الدائر حول قانون الانتخاب وصيغه التي تسقط الواحدة تلو الاخرى نتيجة أجندات سياسية – طائفية قاسمها المشترك «الربح والخسارة» في لعبة الصراع على السلطة وتحسين الشروط والأحجام في تنامي الشهيات الطائفية والمذهبية على حساب الاصطفافات السياسية التي شكل انهيار تحالف «14 آذار» العابر للطوائف نقطة التحول الابرز فيها.

ولفت في هذا السياق التصعيد المتدحرج الذي يمارسه الرئيس عون والذي بدأ بإعلانه تفضيله «الفراغ» على إجراء الانتخابات وفق القانون النافذ او التمديد للبرلمان، وبلغ حد تلويحه بالدعوة الى استفتاء حول قانون الانتخاب الأمثل، وهي مسائل مفاجئة وخلافية أطلقها الرئيس
«الذي لا يُتوقع»، مما ولّد انطباعات متشائمة حيال المرحلة المقبلة ومقارباتها.

واذ يُلاحظ في هذا الإطار «خفوت» صوت رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يحاذر إفساد العلاقة مع عون في مستهلّ العهد، فإن رئيس البرلمان نبيه بري أطلق عبر «الحمام الزاجل» رسائل وصلتْ الى مسامع رئيس الجمهورية مفادها ان أيّ محاولةٍ لإعلان موت البرلمان او تعليق العمل فيه سيحول دون إقرار قانون انتخابٍ جديد، وهي الإشارة التي تُبرِز الخشية من قفزةٍ في المجهول اذا لم يصار الى إنتاج هذا القانون، واذا اعتُبر البرلمان القائم كأنه… لم يكن.

وبدتْ أوساط بارزة في قوى 8 آذار مُطْمَئنّة الى ان الفرصة ما زالت متاحة لصوغ قانون انتخابٍ جديد قبل «الوقت القاتل» اي 21 الجاري، لأنّ باعتقادها ان التوازن السلبي بين القوى السياسية والذي أدى الى تَساقُط الصيغ المتداوَلة الواحدة تلو الأخرى لا بدّ من ان يتحوّل تَوازُناً ايجابياً عبر تسويةٍ تقضي بتنازلاتٍ متبادَلة من الجميع ليربح الجميع.

وفي تقدير أوساطٍ مراقبة ان «حزب الله» الذي يشكّل «المايسترو» في ضبْط التوازنات وإيقاعاتها عبر علاقته برئيسيْ الجمهورية والبرلمان وبقوى أساسية، قادرٌ على إمرار مَخارج للمأزق في حال قضتْ مصلحته «الاقليمية» بحفْظ الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، رغم خشية البعض من ان يكون الحزب يدفع بمركب الفراغ في السلطة التشريعية من الخلف لإحداث هزّةٍ مؤسساتية عنيفة تتيح له جرّ الجميع الى مؤتمرٍ تأسيسي لمعاودة اقتسام السلطة في البلاد.

السابق
كيف ستواجه ليلى عبد اللطيف جمهورها بعد فشل توقعاتها الرئاسية؟
التالي
عمر بحر خارج السجن والمفرقعات غطت سماء طرابلس!