تغيير نظام إيران ليس هدف ترامب!

أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في لقاء شُكر لمؤيّديه أنه سينتهج مقاربة عميقة ومختلفة للشرق الأوسط ولتهديد التطرّف الاسلامي. وقال: “سنوقف التطلّع الى قلب الأنظمة وإطاحة الحكومات، وذلك بعد إضاعة ستة تريليونات دولار في حروب الشرق الأوسط ومعاركه. فهدفنا هو الاستقرار وليس الفوضى”.
هذا الكلام يحمل معانٍ عميقة ويعطي إشارات قويّة للمقاربة التي ستنتهجها رئاسة ترامب في المنطقة التي “عذّبت” كل رئيس للولايات المتحدة منذ عهد الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، في رأي باحث أميركي جدّي وبارز. وهو بواسطته يشير الى أن مقاربته مختلفة ليس فقط عن مقاربة باراك أوباما بل أيضاً عن مقاربة الرئيس الأسبق جورج بوش الإبن.
ماذا تعني هذه المواقف الاعلامية؟
تعني في رأي الباحث نفسه أموراً أربعة أولها نهاية الجهود لإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد. ذلك أن الإطاحة لن تكون شيئاً إذا لم تركّز الجهود على قلب النظام. وثانياً شراكة مع روسيا في الشرق الأوسط. ذلك أن رئيسها فلاديمير بوتين أظهر بكل تأكيد استعداده للانضمام الى الجهد المبذول لإلحاق الهزيمة بـ”الدولة الاسلامية” في سوريا. وثالثها علاقة دافئة أكثر مع رئيس مصر عبد الفتاح السيسي، الرجل القوي الذي أظهر ضراوة واضحة جداً في حربه على التطرّف الاسلامي في وقت اتخذت إدارة أوباما موقفاً سلبياً منه لضربه الحريات المدنية في بلاده. ورابعها سياسة معادية من دون أي شك لإيران من مبادئها ومهماتها حلّ الاتفاق النووي الذي تفاوض عليه معها أوباما. لكنها قطعاً لا تتضمن هدفاً واضحاً ومحدداً هو تغيير النظام في طهران. أما عنوان مقاربة ترامب فهو “سياسة خارجية جديدة تتعلم من أخطاء الماضي”. سياسة تعتزم أن تكون أكثر قسوة وشدة مع “الدولة الاسلامية” (“داعش”) من التي طبّقها أوباما وأقل ميلاً وإرادة للتدخل عسكرياً في المنطقة خلافاً للسياسة التي طبّقها بوش الابن. علماً أن سياسة كهذه يتطلّب تنفيذها براعة ودهاء كبيرين.
أما في نظر مشارك جدّي سابق في محاولة حلّ أزمة الشرق الأوسط من داخل إدارات أميركية عدة وباحث حالياً، هو آرون ميللر، فإن مقاربة ترامب تركّز على انجاح التعامل بحيث يؤدي الى صفقة أو اتفاق. وهي تعني أنه سيكون مستعداً لاستعمال كل وسيلة يحتاج إليها لإنجاز المعاملة أو الصفقة الموجودة على طاولة البحث، سواء أدت الى إنهاء تهديد “الدولة الاسلامية” أو الانسحاب من الاتفاق النووي الموقّع مع إيران، ولكن من دون أن يتسبّب ذلك بنشوب حرب. الى ذلك، تعني مقاربة ترامب في رأيه أن الصيغة العملانية لها إذا جاز التعبير لن تكون مُثقلة بالحاجة الى تماسك الصفقة ومتانتها أو انتمائها إلى أو اقترابها من أي إطار أيديولوجي. لكن هناك مشكلة في هذه المقاربة هي تلازمها مع تناقضات ومضاعفات محتملة وغير مقصودة في آن واحد.

إقرأ أيضًا: لا يا صديقي… هذا ليس انتصارا لحلب!

ويعطي ميللر مثلاً على ذلك هو الآتي: الشراكة مع روسيا لهزم “الدولة الاسلامية” تعني في الوقت نفسه تقوية أو تمكين، ليس فقط صديق روسيا في المنطقة بشار الأسد، بل أيضاً حليفه الاقليمي الأول إيران. فهي راهنت بالكثير عليه وعلى علاقتها معه معتبرة إياه مفتاح تحقيق آمالها في توسيع نفوذها في المنطقة. وقد يكون لذلك مضاعفات وعواقب غير مقصودة. ولعل أبرز مثل عليها هو الحرب الاميركية لإطاحة صدام حسين ونظامه في العراق عام 2003. إذ أدى نجاحها الى فتح الطريق أو بالأحرى الى تنظيفها من العوائق أمام توسّع النفوذ الايراني في الاقليم. وأمر كهذا لن يُسرّ حلفاء أميركا في الخليج الذين يمقتون بل يكرهون القيادة الايرانية. كما أنه ليس هدف الجنرال جيمس ماتيس الذي سمّاه ترامب وزيراً للدفاع والجنرال مايكل فلِنّ المستشار المقبل له في الأمن القومي صاحب الكره الغريزي ربما لإيران.
في الوقت نفسه يشير ميللر الى أن إبطال أو إلغاء الاتفاق النووي مع إيران قد يقوّض الشراكة المحتملة لترامب مع بوتين الذي يدعمه ويعتمد عليه في شكل ما لرفع العقوبات الدولية عن بلاده، والذي انطلق منه بذكاء لمحاولة عقد صفقات ضخمة مع طهران لتنفيذ مشروعات طاقة نووية تبلغ قيمتها عشرة بلايين دولار. ويقول في النهاية إن علاقة ترامب ببوتين ستدخل مرحلة الارتباك والسوء. وذلك يعني أن الشرق الأوسط لديه وسيلة دائماً لارباك أو “لتدويخ” الرؤساء الجدد في أميركا.

السابق
العالم و«هولوكست» في إدلب!
التالي
بيان عنيف للشيخ عبدالحليم شرارة ضد «الايمان والجديد والحياة»