من حلب إلى بيروت.. انتصار القتلة

أصعب ما في سقوط حلب بعد تدميرها وقتل أهلها وتشريدهم هو أنه قد لا يكون الأخير في سلسلة الانكسارات العميقة التي ضربت شعباً لم يطلب سوى حريته وكرامته.

 

فالخذلان الدولي والجبن الإقليمي من جهة والاستماتة في القتل والتدمير في الجهة المغيرة بدتا مساراً حتمياً كان سبق أن شهدته القصير وحمص وداريا والآن حلب ومالم يستفق العالم من غيبوبته الأخلاقية والسياسية فالمنطقة بأسرها تتجه نحو الأسوأ.

 

ما حصل لا علاقة له طبعاً بتلك الجدلية السخيفة لـ”الزمن والتاريخ” التي خرج بها بشار الأسد بهيئته الشمعية الجامدة التي يمتزج فيها البله بالقسوة وهو يدلي بتصريحه عقب سقوط حلب مستعرضاً ذاك العقم اللغوي والضمور الفكري والانساني المزمن عنده، لقد ارتكب بشار الأسد ومعه حليفيه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني علي خامنئي وحفنة من ميلشيات عراقية ولبنانية عمليات ابادة وقتل وتدمير.

اقرأ أيضاً : «ثقافة» الانتصار في حلب وعليها

 

حصل هذا تحت سمع العالم وبصره.
من بين كل تلك القوى الموغلة في الدم السوري لا يسعنا نحن في لبنان الاستمرار في الهرب من مسؤولية مباشرة لتورط مجموعة لبنانية في كل هذا القتل، فما بين محتفل بانخاب من الدم وما بين مفجوع بها هناك في لبنان من يخاف من الحديث عن مسؤوليتنا تجاه ما يحصل.
كتب لي شخص منتقداً تعليقاً لي عن مسؤولية لبنانية في مجزرة حلب بأن أدع لبنان وشأنه، هو من أولئك اللبنانيين الذين غفلوا عن أن حلب لا تبعد عن بيروت أكثر من ساعتين بالسيارة، هم ممن يعتقدون أننا أن سلمنا لقوة حزب الله وسيطرته الكاملة وتجاهلنا شراكته في الجريمة أو قبلنا منطقه المنافق بأنه يحارب التكفيريين قبل أن يعبروا الحدود اللبنانية فإننا بمنأى عن التداعيات. هذا المنطق السقيم نفسه الذي تلجأ اليه قوى سياسية في لبنان تعتقد أن شراكتها من موقع التابع للحزب ستحمي وجودها وحصصها في البلد.

 

الحقيقة التي ربما يحاول هؤلاء الهرب من مواجهتها أنه وإلى جانب الشراكة المباشرة في الجريمة فان لبنان لن يكون بمنأى عن طموحات بشار الأسد والمرحلة المقبلة قد تشهد المزيد من الانقضاض السوري البعثي على لبنان.

هناك من بدأ فعلا بالتبشير بهذا الدور عبر موفدين لبشار الأسد الى بيروت قبل انتخاب الرئيس ميشال عون وبعده وعبر تصريح للأسد قال فيه ان انتخاب عون هو انتصار للبنان وسورية. فبعد انتصار القتلة في حلب سيكون هناك تصاعد في النفوذ السوري والإيراني في لبنان.
تداعيات ما حصل في حلب لن تقتصر على سورية وحدها، فبعد فضيحة العالم وعاره في حلب لن يقوى أحد على مواجهة مستبد في منطقتنا. ولنفهم ما يضمر النظام السوري للبنان لنقرأ مليا ما قاله الأسد في تصريحه قبل أيام حيث قال حرفيا: “لا يمكن للبنان أن يكون بمنأى عن الحرائق التي تشتعل حوله ويتبنى سياسة اللاسياسة أو ما سميت بسياسة النأي بالنفس”..

اقرأ أيضاً : حلب لم تسقط.. بل احتلت من جديد

 

أطلق الأسد تصريحاته تلك فيما أوفد مفتيه أحمد حسون ليقوم بزيارة مشبوهة في دلالاتها إلى لبنان، فاستقبله رئيس الجمهورية ميشال عون والبطريرك الماروني بشارة الراعي في احتفاء مهين لكل الدماء التي أراقها النظام السوري في سورية ولبنان معا. فهل نحن أمام مرحلة تحالف جديد مع القاتل المنتصر في دمشق ..الأرجح أن ذاك لن يكون سهلاً لكنه ليس مستبعداً أيضاً. فأي مشهد للعلاقة اللبنانية السورية في المرحلة المقبلة خصوصا أن هناك فريقاً لبنانياً شريك بمقتلة حلب وتهجير أهلها.

 

لن يوفر بشار الأسد فرصة في سياق محاولة إعادة لبنان كاملاً إلى دائرة النفوذ السوري، وفي هذا لديه ثأر شخصي بعد الخروج المهين له ولقواته عام ٢٠٠٥ فيحاول اثبات أن لنظامه يد طولى في لبنان رغم كل الوهن الذي أصابه في السنوات الأخيرة.
تقول مأساة حلب أن انتصار محور قتلة دمشق وطهران وموسكو سيسهل على الضعفاء من القادة والمسؤولين الارتهان السريع لإرادة “الاقوياء” دون اقامة أي وزن للكرامة والقيم. لن يخجل هؤلاء من دماء من قتلوا في حلب وسيجدون سبيلا لعقد صفقات مشبوهة عديدة خصوصا في عالم لا يقيم وزنا لمظلومية ضعيف.

السابق
لافتة في الخيام تهنئ «أهالي الشهداء» بنكبة حلب!
التالي
خيّطوا بغير هذه الإبرة