يا بهجة طفل وتوهج عقل

كلمة في ذكرى اسبوع رئيس تحرير مجلة شؤون جنوبية محمد عقل اليوم في لبايا.

سلامٌ لعينيكَ حين تعريان المعنى من رداء الوهم والخوف والجهل،

أيها المسكونُ بدهشة طفلٍ، وحكمة شيخٍ، وحيوية شابٍ واحلامه، المتربع على شوك الاسئلة، حاملا سيفَ الجرأة.

سلامٌ لوجهك الوضّاح، لبهجة الحكايا وهي تمشي على خطوك الواثقِ كالامام. سلامٌ يا منبعَ الحب يا بلسمَ جراحاتنا، يا جبلَنا الذي نلوذ به حين تدهَمُنا العواصف، نتحصن بك حين تتساقطُ السهام العمياء كمطر اسود قاتل.

يا محمد إسترِح… تركتنا في هذا العراء الموحش لكنك تركتَ فينا بذرة الأسئلة، مثل غيركَ من حاملي لواء البحث والمعرفة…

كيف سنرتبُ كلماتِنا وكيف للحروف ان تضيء بلا برق عينيك، وكيف للكلمات ان تصل الى مبتغاها بلا روافد من ينابيعك التي لا تنضب؟ كيف للنص ان يستقيمِ معناه، ان لم يقوّمه عقلك يا محمد؟

لك اللهُ ايها الحبيب، ايها الخفيفُ الجميلُ كنسمة الصباح، الصلبُ كصخر الارادة، الطيبُ كلبايا التي ما فارقتك ولا فارقتَها.

اقف عاجزا عن القول بين اهلك في هذه البلدة التي نحب، لبايا التي انجبتكَ وجبلتكَ بترابها، واضاءت بعينيك اينما حللتَ، وارتسمتْ على شفتيك بسمة، وازهرت على كفيك حروفا من نغم،

لم اعرف احداً احبَ بلدتَه كما احببتَ انت بلدتكَ واهلَها، كلنا نحب ويسكننا الحنين الى مسقط الرأس وتباغتنا الذكريات تضحكنا أوتبكينا وتؤنسنا في وحشةِ حاضرنا، لكنك انت من يتقن فنّ الحب، علمتنا كيف يزهر الحب عطاءً، حين تمسحُ عن وجه الحبيب غبارَ التعب، ولحظةَ ترسم في ليل حناياه هلالا استدار ليضيء قمراً.

هي لبّايا التي احببتَها ارتسمت على جبينكَ شمساً وبياض ورد، لا عتمةَ ليلٍ ولا سوادَ نفاقٍ، رسمتَها فوق الآفاق وطرزتَ ثوبها، ولملمتَ حروفَ حكاياتِها، واعدتَها الى حيث يشتهي الحبيبُ الى الصدر الى الفاتحة الى ابجدية الشفاه الى لسان العرب.

إقرأ أيضاً: محمد عقل… أحقاً رحلت؟!

انت الذي لم تكن لتراها الاّ كتابا وموسوعةَ حب، كلماتُها، اهلُها واهلُكَ الذين لا يكتمل الكتاب الا بهم ولا يكتملونَ الا بنصك الباذخ الذي جمعتَ حروفه بشغاف القلب، ونور العقل.

يا مُحمّد

ايها القلِقُ والمطمئنً في آنٍ، ايها الثائرُ الجريء،ً المُجِدُّ، المحبُ، الصابرُ، الحنون، الهادىء، الدافىء، العالم، المتواضع، الكبير، الباحث، الممحّص، الفنان، المبتسم، العاقل والمجنون في آن.

قدرُك الحقيقة، وحِرفتُك البحثُ الدؤوبُ عنها. مجدك انك اعطيتَ، كلنا غرفنا من ينابيعك، ومشينا على ضفاف انهارك مطمئنين الى مجراك.

كنا حين تحاصرُنا الجدران وتطبقُ على قلوبنا الاسقف، وحين تخذلنا المعاني، كنت انت من يعيدنا الى سراط الفكرة والنص المستقيم.

بارعٌ بلملمة حروفنا، بالتقاط افكارنا، بإعادة ترتيب خَطونا بلا تكلف. مع محمد عقل تُفتحُ ابوابُ القلب وتُفرد العقول امامَه. كنا كلما غاب عنّا لأيام او اسبوع واكثر، تحاصرنا الكآبة، وتخوننا الفكرة، الى ان يأتي متأبطا اوراقه واحلامه، كان يكفي ان نراه كي نستعيد بريق عيوننا وان نطمئن.ّ

إقرأ أيضاً: لبايا تنهض لتشييع «محمد عقل» وسط حزن وأسى كبيرين

يا محمد يا ايها الجميلُ الجميل، مكانَك بيننا يصادرُه الشوق ووحشةُ الغياب، سلامُك سلامُك، ايها المطمئنُ، ايها النائمُ على كتف لبايا وعيناك الى القمم دائما،

ها هو جبلُ الشيخ الذي يعرفك وتعرفُه، حزينٌ، ولا يعرف الهوى الا من يكابده، ولا يعرف محمد عقل السهلَ كسهلِ البقاع الممتنعَِ بشموخه كجبلِ الشيخ، المؤمن بالله بلا صراخ وبلا تكلف، الهادر كالليطاني، العالمَ، كشكولاً وقاموساً وموسوعةً لا تنضب.
ايها الصديقُ الحبيب هنيئا لك رحابَ الله، وللبايا ومحبيك ولاصدقائك وتلامذتك، ذكراك وما كتبتَ ورسمتَ في قلوبهم وعقولهم.
يا محمد هنيئا للبايا التي انجبتك وللبنان الذي احببتْ ما صنعت وابدعت. سلامٌ عليك يومَ ولدتَ ويومَ رحلت ويومَ تُبعث حيًّا.

السابق
حركة نور الدين الزنكي لـ«جنوبية»: الأوضاع سيئة وتعبنا من الحديث عن جثث الموتى
التالي
بالفيديو: حماة الديار يتجهون إلى تأليف حزب سياسي